11‏/10‏/2010

آخر الزمان

أتذكر الكلمات التي قالها جدي وهو على فراش الموت ( لقد اقتربت النهاية يا أبنائي , لقد أخبروني بذلك الليلة ) بادرته بالسؤال : من هم يا جدي؟ , لكن الموت أخذه ولم يجب .. أعتقد أن الدنيا لم تنتهي بعد , لكني غيرت رأيي وأدركت أن كلام جدي صحيح فعلا , ما رأيت في تلك الليلة غير حياتي , هي الليلة التالية لوفاة جدي .

عندما غرقت في النوم راودني حلم وسأقول ما رأيت : حلمت أنني كنت ذاهب الى عملي سيرا على قدمي وقد شعرت بتعب شديد لم أشعر مثله من قبل , كان عرقي يتصبب بغزارة .. سرت حتى اقتربت من باب الشركة , التفت فورا الى ساعتي فوجدتها بطيئة جدا , لا أدري لماذا .. في الوهلة الأولى اعتقدت أن البطارية ضعيفة , لكن اعتقادي تلاشى عندما رأيت موظفا آخر في الطريق ينظر الى ساعته ويحاول اصلاحها , سألني : يا محمد كم الساعة؟ , أجبته : إن ساعتي معطلة .. كل من رأيته يسير كان يتفحص بساعته وكأن نوبة عطل أصابت الساعات .

كانت الشركة قريبة مني كثيرا ولكن شعرت أنها تبعد عني أميال كثيرة , شعرت بأن خطواتي أصبحت ثقيلة جدا , وأقل حركة أشعر بالإرهاق , الناس من حولي يسيرون بالتصوير البطيء .. بذلت جهدي في السير حتى لا أتأخر عن عملي وأطرد لكن لا أعلم ما يحدث .

بعد وقت قصير سمعت صوت لا أدري من أين جاء , كان الصوت هكذا .. تك .. ومن ثم توقف , شعرت عندها بأني قطعة حجر لم أستطع أن أتقدم خطوة أو أرجع خطوة .. كان صوت الثانية الأخيرة للزمن .. لقد توقف الزمن .. لم يعد بمقدورنا تقديمه أو تأخيره.

وقفت بمكاني وكأنني قطعة من الطريق .. رأيت ضوء الشمس يخفت والجو يبرد والسحب لا تتحرك في السماء وكذلك اليوم أصبح طويلا جدا .. كل من كان واقفا بقي واقفا وكل من كان جالسا بقي جالس والنائم بقي نائم .

خفت ضوء الشمس كثيرا حتى انطفأت تماما .. غرقت الأرض في الظلام , وصلت درجة الحرارة لحد التجمد , أخذت الأقمار الصناعية تسقط من السماء نحو الأرض .. توقفت جميع الكواكب والأجرام السماوية عن الحركة والدوران وبدأت تسقط الواحدة تلو الأخرى في الفضاء السحيق إلى ما لا نهاية .. سقط كوكب الأرض وهوى في الفضاء السحيق , كل الكواكب اصطدمت ببعضها .. تبع القمر كوكب الأرض بالسقوط وكان يسقط بسرعة جنونية .. لقد رأيته يقترب منا , لم أستطع الصراخ .. لم أستطع الحركة .. لم أستطع البكاء .. أدركت أن الموت سيطال الجميع .. لم يعد هناك شيء ينفع .. كل شيء تعطل .

اصطدم القمر بالأرض وأحدث انفجارا هائلا جعل الأرض تتحول الى قطع تناثرت في الفضاء .. من حسن حظي أنني بقيت واقفا على احدى تلك القطع وسرت في الفضاء , ظننت أنني نجوت , لكن اعتقادي خاب لأن القطعة التي كنت واقفا عليها قد اخذها نجم ملتهب ساقط في طريقه وأصبحت رمادا .

قفزت من سريري مترين للأمام حتى أصبحت عند باب الغرفة , نظرت حولي .. أسرعت إلى ساعتي لأتفحصها .. نظرت من النافذة .. كل شيء طبيعي , الحمد لله .. كنت قد تأخرت عن العمل , أسرعت بالذهاب الى الشركة , عندما دخلتها طلبت من الحارس أن يريني ساعته وقلت له : دائما تفقد البطارية .. حافظ على ساعتك , جلست على مكتبي , بحثت عن ساعة الحائط .. أحضرتها وعلقتها أمامي وأخذت أحدق بها وأسمع صوتها الجميل .. تك .. تك .. أدركت أن كل تكة تجعلنا نقترب من النهاية .

في اليوم التالي زرت قبر جدي واحضرت له الورود .. قرأت له القرآن بصوت عذب وتحدثت معه قليلا .. نمت بجانب قبر جدي ولم أعد للبيت اسبوع كامل .. كنت طيلة ذلك الاسبوع أتعلم من جدي دروسا في الوقت , يقابلني كل يوم ويعلمني .. حتى انتهى الاسبوع وعدت لوعيي .. اكتشفت أني طردت من عملي .. لا يهم .. سوف أقضي حياتي في تعلم دروس الوقت .





8 تعليقات :

شهرزاد يقول...

رحم الله جدك واسكنه فسيح جناته
أعجبتني القصة كثيرا لما تحمله من رموز وابعاد فلسفية رائعة
والله اني اشد على يديك واتمنى لك الاستمرار لان تتميز بنكهة خاصة
دام ابداعك القصصي
تحياتي

amjad yaseen يقول...

شكرا لك أختي شهرزاد .

المجهول يقول...

بارك الله فيك على هذه القصة الإنسانية .. ورحم الله جدك وأسكنه فسيح جناته .. اللهم آمين

هديل الحمام يقول...

سلمت أناملكـ وسلم فِكرك اخي

لا أجد نفسي ألا مشدوده لِقراءتها حتى الكلمه الأخيره

ما شاء الله ,, قصص من نَوع جديد فعلاً

أطيب المنى

غير معرف يقول...

روائي وشاعر وفيلسوف ابدعت وتستحق لقب الاستاد أمجد ياسين انا جد معجب بقصصك

غير معرف يقول...

i add this story to my wall so my freind can see it as well on your blog

amjad yaseen يقول...

أهلا بكم جميعا ..
أحب أن أنوه أن هذه القصة ليست عن تجربة ,والشخصية التي في القصة ليست أنا وانما هي من مخيلتي .. فانا أصلا لم أرى جدي ولا أعمل في شركات.

غير معرف يقول...

طاح قلبي من هالقصه توقعتها جد ..
بصراحه قلم اكثر من احترافي
اسلوب بالسرد اجبرني على متابعه القراءه لاخر حرف ..
اهنيك

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021