2‏/2‏/2021

النوّارة


أتنهد من السعي , ربما لا ترى العيون ذلك السعي .. يصيبني بالآلام كلما بحثت عنه , رغم أنه قريب جدا .. ربما يريدك أن تنطفئ لأن نورك لا يعجبه .. لأن نوره أفضل , وأتسائل كيف تزول تلك الآلام فلا يجيب .. يخبرني أنه جميل فقط .. منحني تلك الذاكرة لأعرف فقط أنه جميل ..

وقبل أن أذهب إلى حيث وجب أن أذهب رأيت انعكاسي .. فاكتشفت أنه أنا , هزيل وتعب هدته الآلام الكثيرة.. 

لم كل هذا السعي .. لقد كنت أنا .. فقط أنا ولا شيء آخر ..

هرب كل شيء مني .. عجبت مني عندما وجدتك وأحببتك .. لكن أنت أيضا هربت , وتركتني محدقا في نفسي بعجب ..

إنه الإيمان الأول الذي رأيته .. أنني غريب وسأبق غريب للأبد ..بلا تفاصيل ولا ظل ..

كنت جالس في على سفح جبل صخرى .. أنظر للنافورة التي تخرج الماء منها وينزل نحو الوادي .. إن عقلي يضج بالأسئلة والتفكير  حول ذلك الذي زارني قبل الزمان كله , شيء لم أراه ولم أسمعه ,فقط أوقظني من نومي ومن وقتها أشعر أني غريب .. يومها رأيت انسلاخي ينقسم ويختفي ولا أدري أين ..


لقد أدركني الوقت وأنا أفكر واقترب الليل .. قررت النهوض والعودة ولا أدري أين , لكن جسدي لم يطاوعني على النهوض , كأنه أصابه الشلل ..تشبث بالأرض بقوة .. أصبح ثقيل , لكني لم أشعر بفزع ولا رهبة .. إنها رسالة لكي أنتظر , فهناك ما سيأتي ليجيب على أسئلتي .. إنه القديم الذي جعلني غريب أشعر به دائما كلما حضر ..


توقفت النافورة وتوقف الماء , ولم يأت الليل ولم يذهب النهار .. ولا الشمس تحركت ولا القمر .. وضج الوادي بالإهتزاز خشية من الذي حضر ..


سمعت صوت من لا مكان يقول .. يا مسوجبار يا حبيبي , لقد حضرت .. أرني آلامك لأداويها ..


اقشعر بدني من صوته وتراقصت شفتاي وانعقد لساني وتغرغرت عيناي بالدموع .. ثم صرخت بصوت وبلا صوت ..


يا قديم لم تزورني .. كل آلامي هي بعدك عني .. إنك تعرف وتريدني أن أعرف , لقد جلبتني لهذا الوادي لتخبرني لم عساي أتألم .. إنني أبكي فقط شوقا لك ..


قال لي .. إن انسلاخك الذي هرب منك موجود في الشمس .. ابحث عنه ..


هنا تركتني الأرض وطاوعني جسدي .. وحل الليل , نهضت وعدت إلى غرفتي أفكر حول الشمس .. من هي ومن تكون .. 


سمعت صوته مجددا .. يا مسوجبار يا حبيبي , اقرأ كتابي الذي داخل قلبك .. ستجد الشمس ..


إنه الكتاب العتيق الذي لا ينفك يلتصق بي , عتيق جدا مليء بالرموز والكلام الغير مفهوم , حملته وجلست تحت ضوء خافت أقرأ فيه .. لكن هذه المرة أرى معاني , أرى كلمات , أرى كلام .. منذ سنين لم أرى هذا ..


كلام لا يسعني أن أقوله لكم .. لكن مذكور في فصل من الفصول (سفر الشمس) ما نصه : "وولدت الأرض بذرة جميلة هي سر الجمال كله .. اختارها ذلك الإنسلاخ المفقود وسكن فيها .. كان عام فيه صيف بلا قمر وشمس بلا حجب .. حتى يرى صاحب النور نوره في الظل والعتمة .. وإليها سيهتدي .."


هذا ما كنت أريده .. لأن ألمي له علاج لا أنفك أبحث عنه ..


في الصباح قبل أن يستفيق الصباح , ضببت أغراضي العثة وتركت رسالة لأمي أنني مغادر وربما أعود .. وتركت لها أثر يطمئنها علي ..


سرت بين ضجيج المركبات وخطوات الناس .. لا الأرض تحتويني ولا ما أراه .. كأنني خفيف وشفاف , أدخل من باب وأدخل إلى آخر  حتى انجلى أمامي المطار ولا أدري لأي بلد أنا ذاهب .. لكنني ذاهب لشيء يقودني إليه .. 


جلست بقرب الغيوم أرى الأرض تحتي تتحرك .. أغمضت عيوني لأكلمه .. لكنه بادرني بالكلام ..


يا مسوجبار يا حبيبي .. اسمها نوارة الأيام ..


هنا أراني إياها .. أراني شكلها .. أراني بيتها وأراني كل شيء .. إنني ذاهب في الوجهة الصحيحة ..


إنها فتاه ..


هنا سمعت صوت صراخ واهتزازات .. يبدوا أن الطائرة تسقط ..


سمعت صوته مجددا .. يا مسوجبار يا حبيبي .. سترى ..


أغمضت عيني ولم أجزع .. ليست النهاية هنا ..فأنا لم أبدأ بعد .. وليس كل ذلك البكاء عبثا ..


لم أعد أسمع شيء , صوت مركبات .. عجيب , فتحت عيني إذا أنا وسط شارع .. لا أدري أين ولا كيف .. 


سرت ساعات في كل مكان أبحث عما رأيت .. سألت ورحت وجئت حتى وصلت لبيت قديم .. 


قديم جدا , إنه الذي رأيته .. طرقت الباب , ثم كررت الطرق وكررت .. حتى فتح أحدهم الباب بتثاقل .. رجل عابس الوجه , نظر إلى وقال .. ماذا تريد ؟

ماذا عساي أسأله .. لكني قلت .. هل هذا بيت نوارة الأيام ..


توسعت حدقة عينه وتغيرت ملامح وجهه وقال بصوت جهم ... إنها لم تولد بعد .. 


ثم أغلق الباب في وجهي ..


عدت أدراجي ببطء حتى لمحت شيء خلف نافذة البيت ...


انتابني الذهول والصمت .. إنها هي تنظر إلي .. تبتسم , تنادي علي ..

تقدمت منها ببطيء , كم هي جميلة ..مدهشة .. أعطتني ورقة وقالت .. يا مسوجبار يا حبيبي , ستجدني عندما أولد ..


استفقت على ضوء الشمس في عيني ... إنه الصباح



أمجد ياسين


16‏/2‏/2019

الدَبران

أنهيت هذه المرحلة من المهزلة التي تعدت , حان وقت الثورة .. إلى متى سأبق طفل .




كان هناك نور في الشارع , نور يطغى على المشهد وأحاط بذلك الصبي , غسله من خطايا الخرافات ثم انقشع .. كان يحدق من زاوية الشارع لأؤلئك الأولاد وكيف يلعبون , كان باستطاعته رؤية أطيافهم .. رؤية أسمائهم , أعمارهم ..


حمل نفسه ماشيا جهة البراري وهناك كان آخر أثر له .. ثم اختفى .




جبل الدّبران




خلتنني حيا هناك لكن لم أكن , خلتنني عرفت كل شيء لكن لم أكن .. أنا هربت من ذلك الإنصياع إلى الكائنات , هربت إلى الله .. إليه فقط , فلم أعد أطيق كل تلك الأبخرة المتصاعدة من المدن , إني أبحث عن شيء غير ساكن في خيال الجميع , بريق مميز وشيء نادر للغاية لم يخلق الله منه سوى قطعة واحدة .




في رائحة النهاية تجد المتعة وفي رائحة البداية تجد الأسى .. فكل شيء ماض نحو حتفه , أنت تعلم أن كل شيء انتهى منذ زمن بعيد , لكنك تكابر , تكابر أوجاع الحقيقة .. صدمة الصمت .. تتعلق بالقش قبل أن تغرق , تبحث عن تعريفات للتفاهة , تمارس العبث .. لقد كنت أقف هناك حين رأيت كل العبيد يصفقون لك وقد كنت مسرور , لأنك لم تعهد العبد يلبس لباسا فاخرا وأنيقا .. إنها منجزات الحضارة التي تكرر بؤس قديم بلا وعي .



لقد كنت بخير في ذلك الفراغ حتى ولدت .. ثم بدأت الأمور تنهار أمام عقلي الفريد , قلت لك من قبل أن الله لم يخلق منه سوى قطعة واحدة .. إنه يعمل بشكل فريد فانا أرى الحقول ليست حقولا ولا النعاج نعاجا .. إنني متيقن لو جعلتك ترى ما أراه ستلتهم نفسك من شدة الجنون .. لهذا لا أريد لك هذا المصاب , إني أخبرك نفحات هذا النكران للباطل الواهم وهذا الحق المتعثر , لا تصاحبني إن كنت تشعر بالسوء من التغيير .




لقد كان لبيتي نافذة واحدة تطل على أكثر المشاهد سوءا , شجرة مليئة بأعشاش الدبابير تضايقها نسمات الهواء , تقطر قيحا اسودا ليس عسلا كما يقال , إنه آفة تباع في الأسواق , وكل ما كنت أدونه في مذكراتي المزيد من النقاط على الحروف .. كل من سكن في الحي المجاور اختفى , اما انتحر أو خطفته الشياطين .. لا أدري السبب لكن ينتابني الشعور أنه أنا .




إن استمر الحال على هذا سيختفي كل من على هذا الكوكب , سيختفي من أمام عيني .. هل كنت في ذلك الحي تلاحق فتاة مثل ثور يلاحق بقرة , ما هذه التعاسة ؟ ما هذا اللامعنى .. تتوسم بالأشياء خيرا إني أقول لك لا تتوسم , تلك الألوان لم يصنعها الله فقط لتعلم , لو اتبعت نصيحتي سيختفي كل شيء أمام عينك .. إني يا عزيز أنتقل لمرحلة عجيبة , مرحلة تحدث داخل كوخ لا مكان له .. تلك المرحلة سيختفي الكون من أمام عيني , ساعود لما كنت عليه قبل ولادتي , مقدس ونقي , يسمع الله كلامي واسمع كلامه .. منذ أتيت هنا حجب صياح الشياطين كلام الله عني , إن صياحهم يشبه انهيار كوكب , لماذا أنا الذي أسمعهم ؟ لا أدري حقا .. قلت لك من قبل أنه لدي شيء مميز لم يخلق الله منه سوى قطعة واحدة .. ليتك تفهم .




هذا التجرد ليس تصوفا ولا رهبانية , إنني فقط معتاد على المزج , أحب المزج , أعشق المزج .. فانا يا عزيز بين الموت والحياة والعدم والوجود , بين الله والشيطان , بين نبي ودجال , في تلك النقطة يمكنني رؤية كل شيء على حقيقته .. لهذا تجليت , لهذا تراني في صمت مطبق , لا أتحرك , لا أبكي ولا أحزن , لا أجوع ولا أشبع , إنها مرحلة عجيبة من القداسة تجلت فيها لقى الله .. إسأل المزيد عن تلك المرحلة لأن الأجوبة التي تخصها نادرة جدا .. بالكاد يقدر اللسان على تجميعها .. 




هناك شيء أعلم به , شيء يجول في خاطرك .. تسأل إن كنت إنسان .. تخيل وستعتاد على التعريفات , إني لا أخضع لتعريف واحد ولا كيان واحد ولا مكان واحدة ولا كوكب واحد .. كل نجمة في السماء هي أنا , كل مطرة تنزل مهرولة هي أنا , كل هذا اللحن الصباحي هي أنا , كل عواصف الشتاء هي أنا , كل رحيل الأتقياء هو أنا , كل هذا البكاء هو انا .. أنا من تسببت بكل هذا الموت .. لا تدعني أسترسل بالوصف .. فلم أخبرك بعد عن جانبي الظلامي , ستصعق لو قلت لك أن كل تلك الزلازل التي حدثت هي انا , كل تلك الأعاصير هي أنا , كل ذلك الجراد هو انا .. تأتيني نفهات من الغضب فيغضب الكوكب معي وتغضب الأشياء معي .. ربما تفكر في جعلي سعيدا .. قلت لك لا بقاء لي بين تعريفاتك وتأثير حضورك , لا يربطني بك شيء ... أنت من تتبعني منذ الأزل لتعرف السر والسر أمامك جلي .. لكنك لا تقشع أنني الدبران .




أمجد ياسين




31‏/12‏/2016

شيلوَه

يبدو الأمر كلحظة عابرة , حين توصلك كائنة غريبة إلى طريق البرية المؤدي بين الغابات إلى بوابة العمر , ستنس الطريق من ذهولك , ثم ستستفيق وهي تغلق الباب عليك بادية بابتسامة وداع أبدي , ستكتشف لاحقا أنهم ضحكوا عليك وخدعوك فالباب لن يفتح مرة أخرى .. إنتهى الأمر

تلك الموسيقى الجذابة ستختف وذلك الإيقاع سيموت .. إنه يوم مصيري ستشعر به بنوبات الفزع وأنت تقف خلف الباب كاشفا مدى الخدعة التي وضعت بها , ستضيع ..

أشعل شعلتك فقد حان وقتك , البس حذائك واتبعنا .. اصمت واتبعنا , لا تسأل حتى ترى النور .. إنه كهف في أديم الأرض أقدم من أبيك آدم , أنصت جيدا ستسمع كل كلمات الرب هنا .. أنت الآن في حضرة أبيك ..

- شيلوَه , تكلم ...
- من تقصد بشيلوَه ؟
- أنت , نعم أنت فلا أحد هنا غيري وغيرك ..
- ولكن اسمي عا ....
- أعرف كل شيء عنك لا تكمل , أنت شيلوَه ... أرني ساقك .... أترى تلك العلامة ؟ رسمتها لك بيدي ..
- انهض يا شيلوَه .. تعالي معي سنذهب لمكان آخر ..
**************
- أترى ذلك الجسد ؟ أليس يشبهك تماما ؟؟
- نعم إنه أنا !! هذا غريب جدا !! ما هذا المكان !!
- ألقوه في النار .. إنه يوم سعدك يا شيلوَه ..
*************
- لقد اتفقت معي أن نتقابل في هذا المطعم صحيح .. تكلمنا على الشبكة البارحة ؟ .. عادل ما بك ؟ صحيح ؟؟!!
- نعم , نعم .. آسف يا سارة كنت أفكر قليلا ..
- هيا اخرج من جو التفكير والغرابة هذا .. امرح قليلا , يبدوا كموعد غرامي أليس كذلك ؟؟ أيعجبك فستاني ؟؟ اخترته لأجلك .. تبدوا أكثر وسامة من الصور التي أرسلتها لي ..
- آه , شكرا على لطفك وأنت ايضا جميلة ..
- عادل ما بك ؟ منذ أن جئنا وأنت شارد الذهن ..
- هل سمعت يوما باسم شيلوَه ؟؟
- ما هذا الإسم الغريب ؟؟ لا لا لم أسمع به ! انهض , تعال نتمشى بالخارج لعلك تصبح على ما يرام ..
****************
- إنه أول لقاء لنا ما بك ! يبدوا انك تخجل من الفتيات ..
- نعم صحيح أنا خجول فأنت جميلة جدا ..
- شكرا هذا لطف منك لقد أحرجتني ..
***************
إنه فصل الشتاء , حيث موسم الصيد يخرج هو ووالده لصيد الأيائل .. ألم يمت والده من قبل ؟ المفترض أنه مات برصاصة انطلقت من بندقية صيد !! إنتبه يا عادل فذلك الأيل هو والدك لا تقتله .. لكن !! صوت الرصاصة أفزع اليمامة في عشها وطارت كل الطيور عن الشجر ... يجر عادل ذلك الأيل ويعود به إلى البيت ويظن والده سيأتي خلفه .. لكنه ما أن فتح الباب وجد في بيته بقرة وقطط وقرود وملابس أمه وإخوته على الأرض ... ألقى الأيل وابتعد إلى الخلف ثم ركض بأقصى قوة مرعوبا .. الغابة عميقة وقد جنح الظلام .. كيف يبدوا العالم في الخارج إذا ؟! كانت الأغصان والشجيرات تعيق سيره حتى وصل إلى منحدر عميق لا يستطيع أن يرى قعره ...

- عادل , أنت هنا ؟
- يا إلهي , لقد أفزعتني سارة .. كيف وصلتي إلى هنا ؟؟
- لا تقلق كنت أشتم ريحك وتبعتك .. لديك رائحة أخاذة ..
- ماذا ..
أخذ يشم نفسه باستغراب ..
- رائحة .. هل أبدوا قذرا ..
- لا تقلق .. هل يعجبك هذا المنحدر ؟؟
- لا إنه مخيف ..
أمسكت بيده ..
- اقترب عادل .. المكان جميل .. اقترب اكثر لا تخف ..
ثم دفعته إلى المنحدر وهوى إلى الظلام .. استغرق وقت طويل وهو ينزل .. وقت طويل جدا ربما سنين .. كم أن هذا المنحدر عميق , على جنباته يرى أناس تقوم الأبقار بضربهم , تقوم برفسهم والسير عليهم ... وهناك من تبتلعهم الأشجار بسيقانها وهناك من يغرق في الوحل ... ثم تحل ظلمة ثم صوت ...
- شيلوَه .. أنت في حضرة أبيك .. قف لقد وصلت إلي .. اقترب من صوتي .. تعال .. تعال .. تعال ..
- أنا لا أراك , أين انت ؟
- قلت لك اتبع صوتي يا شيلوَه .. أنا حيث تريد ..
يسير في الظلمة تائها يتحسس حتى تلمس يداه حائطا رطبا .. ثم يبدأ نور يعم المكان وينجلي كل شيء .. صعق شيلوَة من تلك الجذور اللزجة التي تملأ المكان وتقطر ..
- ما هذا المكان ؟
- إنه مكان أقدم من أبيك آدم .. قلي يا شيلوَه , هل أعجبتك ؟
- من تلك ؟
- سارة , سارة يا شيلوَه هل أعجبتك ..
- نعم إنها جميلة ...
- أنت أعمى يا شيلوَه .. أنت أعمى ولا ترى .. لو نظرت لعيونها ستعلم أنها ليست كما تظن ..
- ما بال عيونها ؟
- ستعود وترى بنفسك ..
****************
- مرحبا عادل , هل كنت بانتظاري ؟ آسفة تأخرت قليلا ..
- لا بأس سارة اجلسي ..
- اشتقت لك .. حقا اشتقت لك .. أنت تكتب اشياء غريبة على صفحتك !! لم هذا التعقيد ؟؟
- لا تشغلي بالك ..
.........................
- عادل ما بك تحدق بي ... عادل أنت بخير ؟؟
- عيونك جميلة يا سارة , هل هي طبيعية أم تضعين عدسات ؟؟
ارتبكت قليلا وتلعثمت ..
- إنها .... إنها حقيقية !!
- لا تبدوا حقيقية يا سارة .. أرني ما لون عيونك , هيا أيتها الشقية أرني ..
- لحظة عادل سأذهب للحمام قليلا وأعود لك ...
- حسنا , أنتم الفتيات دائما تذهبون للحمام ..
***************
- يا سادة يبدوا أنه لا يعرف صحيح ؟
- نعم لا أحد من البشر يعرف ولن يرون .. لا بأس أريه عيونك فلن يرى ..
- حسنا سأعود إليه ..
***************
- تأخرت عليك صحيح ..
- لا لا أبدا ... هيا أرني عيونك ..
- حسنا حسنا لا تستعجل ..
أخذت تزيل العدسات وعادل يحدق بها ...... ثم ..
- كيف ترى عيوني .. ؟؟
يكتم عادل خوفه ورعبه ..
- كم هي جميلة , هل أنت بلهاء لتضعين عدسات ...
*************
- شيلوَه .. استفق , أنت في حضرة أبيك ..
- هل رأيت أم أنك أعمى ؟؟!!
- ماذا تكون تلك ؟؟
- إنها ليست الوحيدة , أرأيت كل أؤلئك الأشخاص الذين في المطعم .. لا أحد منهم من البشر سواك , حتى في مدينتك .. لا أحد من البشر ... أنت أعمى مسكين يا شيلوَه ..

يقف الآن أمام تمثال عملاق قابع وسط الأدغال الكثيفة , لكن الأغلال حول عنقه في يوم المحكمة , لا يستطيع التمييز بين الواقع والخيال .. مخدر وصور كائنات مخيفة تتراقص أمامه ..
- عادل , أنت مسكين .. أعمى , إنه يوم الخلاص , يوم المحكمة ..
- أيتها الخبيثـ .....
- كلهم تآمروا ضدك حتى أبيك .. أنت مسكين ..
- أنت كاذبة , أنتِ مسخ !!

إنه يوم الخلاص تتوقف فيه الفصول والأرض صفراء ... كل الحكاية خدعة , الطنين يشغل البال , إنك هبطت على الكوكب الخطأ , ما كان يجدر بك الهبوط هنا ... حذرتك شيلوَه .. حذرتك شيلوَه , لا يسعني فعل شيء لك الآن , آسف ...

أمجد ياسين



3‏/8‏/2016

الفتنة - الجزء الثاني

مكة عام 2016 , 16 - 8 , كان يوم ثلاثاء حار .. كان شاب يتسوق من سوق يدعى "مزايا" , أمضى وقت طويل وهو يختار لكن لا يشتري , فقط يترقب يمنة ويسرة كأن هناك شيء ما .. في لحظة قرر الخروج وخرج مسرعا , ركب سيارته وانطلق .

مكة عام 2016 , 3 - 9 , كان يوم سبت مقدس بلا معالم .. صوت هدير أبيض يحوم في الوادي , من بعيد يمكن رؤية الشياطين تتخفى .. رائحتها قذرة تشم من بعيد ..
لا يدري لمتى سيستمر في التحديق من بعيد ؟ يشعر أنه عاجز .. تتطبل الأرض في مكة , أصنام عالية تنفذ من السماء المفتوحة .. تبا لهم , سمحوا للشياطين بالدخول .. إنها غرة الأيام , صوت الدعاء يعلو ويعلو ولا يسمع سوى صوت قدميه , تخطو بين كل تلك الجموع وكأن المكان أخلي له .. يسير حتى الحجر الأسود , إنه يعرف أكثر من اللازم ..

من بين السطور تتطاير الكلمات مشكلة أحداثا تجري من حوله ..حمل أوراقه إلى مدينة طيبة التي يسمونها الآن "الأقصر" .. عند ضفة النيل كان هناك شخص يلبس الأسود يسكب شيء في نهر النيل , إنهم يخططون لتشغيل الهرم ... سيفسدون الكوكب بأكمله .. ملك السوس أصلع الجبهة سيغرق وهو يحاول إفساد النيل , ولن يحزن عليه أحد , إنه صغير في تلك الخطة الكبيرة ولن يشكل موته فارقا ..

تركيا - اسطنبول 2016 , 10 - 7 , كان هناك دخان غريب اللون يخرج من شجرة تقع على جانب "شارع نسبتية" , كان هناك الكثير من الفراش يحوم حول الدخان ثم يطير بعيدا .. عزم اللحاق بتلك الفراشات حتى حطت قدمه في "أنقرة" , بالتحديد مبنى حكومي ينير بنفس لون ذلك الدخان ...

يجلس في مقهى قديم في مدينة رام الله - فلسطين , يشاهد ذلك التلفاز العتيق يبث صورا حديثة عن سوريا والعراق وفلسطين وهلم جرى , والجميع يحملق بلا جدوى .. بخار الشاي المتصاعد من الكأس يشكل حكاية تنطوي داخل عقله .. يهم بالذهاب إلى خلف الأسوار .. في قربة مليئة بالزيت تنجلي الصور يسكبها مع ماء المطر فتخر في الأرض ويشربها الشجر وتتغلغل في كل البشر ..

" .. ستستفيق القدس في عام فيه خطوة وفراغين وثمان خطوات ونصف وفيه ستأخذ الشمس القمر ويرحلا بعيدا حتى يظن أهل الليل أن النهار جاء وأهل النهار أن الليل جاء .. ستفتح باب بيتك على مصرعيه لذلك النور الأحمر وستترك أطفالك يتجرعون الأحمر .. والقدس ستقرأ كتاب وستسمع صيحة ... ثم يكون الهرب هو الملاذ .."

ثم يعود أدراجه .. هذا العالم العليل لن يستقيم حتى آخر أيامه , يزمجر ذاك الوحش الكاسر , الذي يبغضه الصغار .. الذي يسكن خيالاتهم ليل نهار ليخرج منهم جيشا .. إنها الرواية التي لن يطأها غبار " في مكة في موسم حج .. صنع من خيالاتهم حقيقة وحكموا الأرض وبنوا وقت طويلا يناطح السماء , ذلك الوقت فيه شر صنعه شندهرير سيفتح بوابة قديمة ستمطر شياطين على مكة .. لن ينجو أحد من ذلك الشر .. ثم عندما يتحول الليل إلى نهار أحمر سيسقط الوقت الطويل محدثا شرر .. شرر كرؤوس البقر , سيحرق الزيت الأسود , ثم تصبح خيولكم عطشى ولن تسير , إن أكثر الخيول ثمنا سيصبح مستحيل .. ما دام هذا الجهل يعم العرب , خوف قد اقترب .. رحلة العمر بخطوتين ودماء تغسل الثوب .. رجل يناجي بين الموتى ويصيح "يا رب" .. سيجيبه الرب سريعا ويعطيه كل الأرض .." .

ألا يحق لك أن تبكي عندما ترى الكون حولك يتأرجح ويؤكد لك أن الحقيقة هي شيء واحد , من شدة عطشه لا يشرب .. انظر إلى روما المتحدة , بناها "شندهرير" حجرا حجرا , وهو الآن ينتهي من كل الشكليات وينفضها باصبعه الكبير .. سيظهر في الأرض التي لا تثبت , أرض خلف البحار سكنتها الشياطين قبلنا وسكنتها معنا وهي تهيء لها أن ترحل , فكل ما بنوه ليس ترابا , إنه خلف ما يظهر , كان التاريخ عندهم خرقة مكتوبة , فحرقوا الخرقة ووضعوا مكانها جلد الغزال ليبدوا التاريخ أنه أرقى .. عذرا يا مالك الملك فلا شيء عنك يخفى .. أنت تحدق في الرواية أكثر من اللازم فهناك ما تذكرهم اسما اسما , غوغاء يحكمون العالم .. والناس يلهون .. ألا يحزنك ذلك أيضا ..

"عندما يكون المريخ في أقرب نقطة له من الأرض وتكون الشمس خافتة , يجيء كوكب يوسف الحادي عشر , يطل برأسه على الأرض فتبدل الأرض غير الأرض .. وتقويم الإسلام سينقسم لقسمين .. فلن يعلم أحد حساب الدهر , سيعود نوح لينذر وسيغرق من لم يركب معه في الفلك .. الدنيا ورقة ممزقة تتصارع عليها الديدان , فلا تلق لهم ورقة أخرى .. الرب يرى ويسمع ويعلم , أنك بقية .. سيرشدك إلى النور , حامل الملائكة .. ختم القدر من سيال القمر .. عندها سيندم شندهرير لأنه جابهك .. سيندم أشد ندم .. "

"... ومدينته العالية ستتفكك , وكل بغاياه التي أفسد بها أهل الأرض , لن يطل عليهم القمر .. هناك الكثير من البشر سيصبحون طعام للنار .."

خطوتك الاولى كانت بلا معالم .. تسمع صوت نفسك وزئير قلبك , لكنك حزين ونائم وتضيع في هذا العالم الواسع .. لتخبرهم الفرق بين الليل والنهار عليك أن تنير مليار شمس لتثبت لهم ما هو النور .. إن النور بالنسبة لهم لا يرشد .. فخوفك كئيب من ذلك اليوم القريب ... أين وضعت عصاك التي تهش بها على غنمك ؟ فأنت رغم ذلك لست راعيا للغنم , لكنك مضطر لذلك .

"في آخر ساعة من ليل بين قمر وقمر سيحل الهائم على وجهه , سيفتح بابا ويشعل الدنيا , ولن تهدأ حتى يتقوس القمر .... في مدينة يورك يعود ميداس ليغري الدنيا بالذهب , ثم تكون مصيدة للجرذان .." 

إن بداية الدنيا هي مهزلة بحد ذاتها , إنها بداية بلا معالم ونهاية بلا ختام .. إننا نتوالد أكثر من اللازم ونتفس أكثر من اللازم .. يجلس في أعلى كهف في العالم ويحدق بعينان لامعتان , هل تعرف من والد ذلك الفتى , ومن أهل ذلك الفتى ..

خذ نفس قبل أن تتكلم فهو لا ينتمي لأي أحد ولا لأي مكان تعرفه .. إنه هناك يترقب المكعبة , يترقب كل الغوغاء الذين يعبثون بحكمة الرب .. خذ آمالك البالية وارحل , إن كنت لا تنفع النور فارحل .. إن كنت لست من مشيئة الرب فارحل .. أرقام يلفظها فيبدأ الكون يتسرب , دابة الأرض تسير على الغوغاء .. دخان يغزو الأرض في وعاء .. فإنه متى بدأ الحكيم كلامه صاح رهط الأرض ما هذا الهراء ..


أمجد ياسين





 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021