23‏/10‏/2010

بائعة الفجل

وضعت عشر حبات فجل على وسادة بجانب الطريق وانتظرت من يأتي ليشتريها , انتظرت طويلا ولم يأتي أحد .. جاء أخيرا رجل  وأمسك حبة فجل وأخذ يقلبها بيده , سألها : بكم الفجل يا صغيرة , قالت : خذها كلها بقرشين فقط يا سيدي , أعاد حبة الفجل مكانها ومضى وهو يتمتم .. لم أعد أحب الفجل ..أصابها الحزن لذلك وجلست على الأرض مكسورة الخاطر .

بدأت السماء تتلبد بالغيوم وانطلقت شرارة البرق وأخذت تمطر بغزارة .. اختبأ الكل في بيته ومكان عمله , لم يبقى أحد في الشارع سواها , لم تيأس  .. كان همها أن تبيع حبات الفجل .. ابتلت ملابسها من المطر وأصابتها القشعريرة .. أخذت ترجف من البرد , لم لم يشتروا مني الفجل .. عاد الرجل اليها , أخرج بعض النقود من جيبه وقال : خذيها هي لك , لكنها رفضتها , قالت له : يا سيدي أنا لم آتي الى هنا لأتوسل للناس , إن أردت مساعدتي فاشتري مني الفجل , تبسم من قولها وقال : أحضري الفجل واتبعيني حتى لا تصابي بالبرد .. دخل الى بقالته وتبعته الفتاة .. أشعل المدفأة وجلس بجانب الفتاة وقال لها : لم أنت مصرة على بيع الفجل والحصول على القرشين ؟ نظرت الفتاة الى الأرض وبكت بحرقة .. مسح الرجل  دموعها وقال : لم تبكي يا صغيرتي , يبدو أن حكايتك طويلة , أخبريني قصتك .. شعرت الفتاة بحنانه منذ زمن طويل لم تشعر بالحنان سوى في أحلامها , رفعت رأسها وقالت : أحتاج للقرشين يا سيدي كأجرة مواصلات .. قرش أذهب به وقرش أعود به , تعجب الرجل وقال : إلى أين تريدي الذهاب؟ , قالت : لأجلب الورود من ذلك المكان , لقد اعتدت كل اسبوع أن أذهب اليه وأقطف الورود وأضعها على قبر أمي  , لقد مضى شهرين ولم أحضر لها الورود , إن روحها ستضعف .. هي أخبرتني بذلك الليلة الفائتة , لم أجد طريقة لأذهب لهناك سوى أن أبيع بعض حبات الفجل التقطها من حديقة أمي , قال لها الرجل : لا تقلقي ! انتظريني هنا , سأجلب لك أجمل ضمة ورود , صاحت : لا .. لا .. ليست أي ورود , أمي تريد فقط تلك الورود النادرة من ذلك المكان , قال لها : حسنا .. سآخذكي معي الى ذلك المكان , اركبي في المركبة .. في الطريق سألها : أين والدك لم لا يساعدك؟ قالت : لا أعرف والدي يا سيدي , أخبرتني أمي قبل موتها أنه قتل في احدى المعارك , كان اسمه عمر .

عندما وصلوا الى المكان أسرعت بقطف الورود وكان الرجل ينظر إليها , سألها : ما سر هذا المكان؟ قالت : لا أعلم , أمي تحب هذه الورود فقط , ألا تبدو جميلة يا سيدي , قال : بلى والمكان أيضا جميل وغريب .. ركبت معه وانطلقا الى المدينة, وعندما وصلوا ودعت الرجل وذهبت الى بيتها ...قامت بغسل الورود بالماء ولفتها بالورق , وذهبت بها الى قبر امها .. مسحت الغبار عنه ورشت فوقه القليل من الماء ووضعت الزهور ثم عادت لبيتها .. انتظرت الليل ونامت , جائت أمها  وكانت تحمل ضمة ورود جميلة في يدها , جلست بجانب ابنتها وشكرتها على الزهور وقالت : أعطي هذه الورود للرجل الذي ساعدك واشكريه عني .

في اليوم التالي أخذت ضمة الورود وذهبت الى بقالة ذلك الرجل , لكنها لم تجده ووجدت البقالة مغلقة .. جلست على الشارع تنظر قدومه لكنه تأخر كثيرا , سألت أحد المارة : أين صاحب هذه البقالة ؟ قال لها : لقد مات منذ مدة طويلة يا صغيرتي , قالت له وهي تصرخ : لا يا عمي ذلك الرجل لم يمت بعد , لقد كنت عنده بالأمس وساعدني , ابتسم وقال : الأطفال دائما خيالهم واسع .. ثم ذهب , أخذت تبكي وتصرخ حتى اجتمع الناس حولها والكل أخذ يهدئها ويسأل ما جرى لها , قالت : أريد الرجل الذي كان في هذه البقالة .. الآن , لا تقولوا أنه مات لأنه كان هنا بالأمس وقد حماني من المطر .. ابتسم الناس وقالوا : هو بالفعل ميت يا صغيرة منذ زمن .. ولم يكن هناك مطر بالأمس ,  فأنت تعلمين نحن بالصيف ولا يوجد مطر في الصيف , نظرت لهم نظرة خاطفة ثم هربت من بينهم .. عادت الى بيتها وجلست على سريرها وهي تمسك ضمة الورود في يدها , انتظرت الليل حتى جاء ونامت .. جائت أمها وجلست بجانبها وأخذت ترتب شعرها وتمسح وجهها , قالت لأمها : أمي الرجل ليس في بقالته , لقد أخبروني أنه ميت , كيف سأوصل الزهور اليه؟ قالت أمها : اذهبي للمكان الذي تأتيني منه بالورود دائما وضعيها هناك .

في اليوم التالي , ذهبت إلى حقل أمها وقطفت بعض حبات الفجل وذهبت بها الى المدينة , جلست على الشارع ووضعت الفجل أمامها والورود بقيت في يدها .. لم يمضي وقت حتى تلبدت السماء بالغيوم وهطل مطر غزير , أصبح الشارع خاليا من الناس , لم يبقى غيرها .. أمسكت الورود وحبات الفجل وذهبت الى بقالة ذلك الرجل الذي ساعدها .. طرقت على الباب مرة ومرتين .. وعشرة لكن لم يخرج , كانت متأكدة أنه في الداخل , قالت بصوت ذابل وهي تبكي : أرجوك يا عمي افتح الباب , أخاف أن أصاب بالبرد .. فتح الباب وكان النور يشع من البقالة , شعرت بالخوف وتراجعت , لكنها سمعت صوت الرجل يناديها .. ادخلي يا صغيرة لا تخافي .. ادخلي , تقدمدت بتردد ودخلت .. رأت النور يحيط بها من كل جانب , شعرت بنفسها تطير .. أغمضت عينيها ثم فتحتها فوجدت نفسها في المكان الذي تقطف منه الورود لأمها .. جثت على ركبتيها ووضعت الورود على الأرض وهمت بالعودة .. سمعت صوت الرجل ينادي .. يا صغيرة .. انتظري .. التفتت الى الوراء فوجدت ذلك الرجل الذي ساعدها يمسك بالورود , بدت البسمة على وجهه .. ركضت نحوه وارتمت في أحضانه , قالت له : كدت أصاب بالبرد يا عمي لولا مساعدتك , لقد أخبروني أنك مت , لكنهم يكذبون .. نظر الرجل اليها نظرة حنان وقال : اشكري امك بالنيابة عني على تلك الورود .. أعطته الفتاة حبات الفجل لأنه ساعدها على الوصول , قال لها : إذا أردت العودة فاغمضي عينك , فعلت ذلك وعادت الى المدينة , كان الجو حارا والمطر والبرد اختفى .

عادت إلى بيتها وانتظرت الليل ونامت .. جائت أمها وجلست بجانبها , رتبت شعرها ومسحت وجهها وقالت : لقد كنت رائعة يا صغيرتي , تلك الزهور التي أعطيتها للرجل سوف تجعل روحه تقوى .. إنه والدك الذي مات في الحرب , إنك لم تريه قط .. سيأتي الينا الآن , افرحي أيتها الطفلة ... بعد برهة دخل عليهم ذلك الرجل وكان مبتسما , قبل ابنته وزوجته وجلس بجانبهم وناموا جميعا .

9 تعليقات :

parapsychologyarabia يقول...

السلام عليكم ورحمة الله ,شكرا لك على هده القصة الجميلة ,ولكن هناك بعض الملاحظات الطفيفة :
السطر الحادي عشر :أصابها الحزن.
يا أ خي ما أروع المشاعر الأنسانية أنها تفكرني بقصص الزمن الدي ولى كقصة بائعة الخبز والبؤساء وأوليفر تويست زواصل فأنت متألق.

غير معرف يقول...

زواصل = , واصل

شهرزاد يقول...

اخي سر الارض
مل يعجبني في قصصك انها لاتشبه القصص لايمكن ان تتوقع لا الاحداث ولا النهاية ولا حتى العقدة
متقنة هي حبكتك
القصة جد مؤثرة وتخرج عن دائرة المعقول والمعتاد
دام قلمك يسكب حبرا منفردا
تحياتي

amjad yaseen يقول...

أهلا بكم جميعا ... يسعدني ويشرفني وجودكم

medicale يقول...

شكرا جزيلا لك فعلا مميز !

little princess يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم

راااااااائعة......لقد سقطت دموعى وأنا أقرأ

Zeek يقول...

ما شاء الله يا أخي سر الأرض قصة جميلة

al ^_^! يقول...

انها حقا قصة رائعه
ولكني لم استنتج ما الغاية ( الفائدة)منها؟ّ!×_×
ولكنها حقا رائعه اتمنى ان اكتب مثلك يوما من الايام..

غير معرف يقول...

رآآئعة كنت التهم الاسطر لأصل لنهاية القصة
رائعة حقا

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021