15‏/11‏/2010

الشتاء الأخير

" عندما تقف على حافة الأرض وتصرخ لن تستطيع سماع صدى صوتك لأن الكون سيمتصه " هذه حكمة الزمان , حملها الأجداد كالهم الثقيل .. فيها سر عظيم لم يعرف أحد ما هو , الآن أصبحت في حوزة ذلك الشاب , عندما أعطاه جده تلك التركة التي ورثها عن أجداده .. كتاب صغير مصنوع من مادة غريبة يحمل عنوان " الشتاء الأخير " الغريب فيه أنه لا يحتوي إلا على صفحة واحدة تحمل أحرف معدودة تتكون منها تلك الحكمة .. لم يعلم ما هذا الكتاب ولم يره من قبل إلا عندما أعطاه إياه جده وهو على فراش الموت , كانت وصيته الأخيرة : هذه الأمانه أغلى من المال والبيوت .. حافظ عليها كما تحافظ على روحك .. لا تفرط بها أبدا ولا تريها لأحد حتى يقترب موتك , أعطها لأحد أحفادك .. حاول أن تعرف سر هذا الكتاب حتى تستطيع أن ترى الشتاء الأخير .. هذه كانت وصية أجدادي وأنا أقولها لك لأنني فشلت في معرفة سر الكتاب فأكمل أنت المشوار .. حفظ الوصية مع أنه لم يفهمها , ماذا يقصد بسر الكتاب وما هو الشتاء الأخير ؟ 

أمسك الكتاب وأخذ يقلبه يمينا وشمالا ويتفحصه ولكن لا يوجد شيء غريب سوى هذه الحكمة .. انعزل عن أعمال الحياة وتفرغ لهذا الكتاب , مضت الأيام والأشهر وقرأ خلالها الحكمة ملايين المرات حتى كاد يصاب بالجنون ... في إحدى أيام الشتاء كان الجو دافئ ومشمس , حمل الكتاب وتوجه به الى تلة قريبة من القرية , جلس على قمتها وأغمض عينيه لمدة طويلة وكأنه يجبر عقله على تذكر شيء ما لكن المطر قطع تفكيره , هطل مطر غزير دون أن يتوقعه فركض هاربا الى البيت وخشي أن يكون الكتاب قد تأذى من المطر , تفقد الكتاب وكان سليما فوضعه تحت الوسادة بينما جلس بجانب موقد الحطب ليتدفأ وهو يفرك يديه ويقول لنفسه : ماذا أفعل , سوف أصاب بالجنون .. خطرت في باله فكرة لعلها تنفع , ذهب الى حكيم القرية لعله يفسر الحكمة , قرع الباب ودخل .. جلس بجانبه وسأله عن حاله وصحته وقال : لقد جئتك لطلب أريدك أن تساعدني , هناك حكمة تؤرقني , قال الحكيم : قلها يا بني وسوف أساعدك .. قال الشاب : " عندما تقف على حافة الأرض وتصرخ ..."  نظر الحكيم الى الأرض طويلا ولكنه قال : يا لها من حكمة غريبة , فأنا أعرف حكما كثيرة جدا ولكن صدقني لم أسمع بها من قبل , أعتذر منك ... شعر الشاب بخيبة أمل وعاد الى بيته .. استلقى على سريره  وقال : أفضل شيء أفعله هو أن أنام .. سأعلن أني فشلت وسأترك الكتاب لأحد أحفادي .. نعم هذا آخر ما عندي .. وغط في نوم عميق .. أثناء نومه رآى في المنام رجل عجوز كأن وجهه النور يخاطبه : يعجبني اصرارك أيها الشاب ! لقد اقتربت من فك السر .. غدا ستجد شيئا جديدا .. لم ينتظر إلى الغد , قفز من سريره وهو يلهث كانه يصعد على جبل .. أخذ يبحث هنا وهناك وفتح الكتاب ولكن لم يجد شيء .. غلبه النعاس وعاد الى النوم وعاد الرجل العجوز اليه يكلمه : لا تستسلم ولا تستعجل .. كن صبورا وحكيما وتحلى بالشجاعة , لقد قلت لك غدا ولذلك عليك الانتظار للغد .

جاء الغد .. حمل الشاب الكتاب وذهب الى التلة .. جلس على قمتها وفتح الكتاب , قفز من مكانه مفزوعا .. لا يمكن , ماذا حصل للكتاب ؟! لقد اختفت الحكمة ! لقد ابتل من المطر البارحة يا للمصيبة , حمل الكتاب وركض مسرعا الى بيته , سار يمينا وشمالا داخل بيته والقلق باد على وجهه .. مع حلول الظلام لم يقدر على النوم وبقي مستيقضا , فجأة ! شعر بوجود شيء في غرفته , شاهد الكتاب يفتح والنور يشع منه ثم حلق الكتاب في الهواء .. ابتلع ريقه وأخذ يرجع الى الوراء حتى تعثر وسقط , لم يصدق عينيه .. كان النور شديد جدا مما جعله يغمض عينيه ولا يقوى على فتحها , خلال لحظة تجسد نفس الرجل العجوز الذي رآه في المنام أمامه .. كاد يموت من الخوف , تبسم الرجل العجوز وقال : أحسنت أيها الشاب , لقد عرفت سر الكتاب , قال الشاب : لا يا سيدي كل شيء كان صدفه , قال الرجل العجوز : ليس صدفة اصرارك وصبرك جعلك تنجح .. الماء كان هو السر .. من كانوا قبلك احتفظوا بالكتاب داخل صناديق مظلمة لا تنفع أما أنت فقد أخرجته الى النور والماء جعل طاقته تعمل , قال الشاب :  ما هو الشتاء الأخير؟ قال الرجل العجوز : الشتاء الأخير مرتبط بالحكمة وما عليك الا أن تطبقها لأن أبواب الزمن قد فتحت عندما عرفت السر .. قال له : تعال معي أعطني يدك .. وخلال لحظة أصبحا على قمة جبل في مكان غريب , قال الرجل العجوز : انظر أمامك , أترى هذا الممر الحلزوني إنه احدى بوابات الزمن , انه كأسطورة عندكم ولكنه حقيقة عندنا .. ادخل فيه سيقودك الى حافة الأرض حيث ستبدأ رحلة الشتاء الأخير .. عندما تصل الى هناك ستجد أمامك مباشرة كهف عظيم وبوابة الزمن الثانية ستكون بجانبه .. ادخل الى الكهف لتحضر الصفحة الثانية للكتاب موجودة داخل حفرة في جدار الكهف .. ابحث عنها وكن حذرا , عندما تخرج الصفحة من مكانها فانك ستفتح بوابة الأرض السفلية وسيخرج الأشرار , عد الى بوابة الزمن باقصى سرعة , سأله الشاب : وكيف تعمل هذه البوابة ؟  قال الرجل العجوز : مجرد التفكير في المكان الذي ستذهب اليه فانها ستقودك اليه مباشرة .

دخل الشاب بوابة الزمن وقصد حافة الأرض , خلال ثوان وجد نفسه في المكان المطلوب كما وصفه الرجل العجوز .. دخل الى الكهف وهو خائف , سار عميقا داخله حتى وصل الى الحفرة في الجدار وسحب صفحة الكتاب منها .. دوى صوت صراخ مرعب من داخل الكهف وظهر نور أحمر ساطع , لم يجد أمامه سوى الفرار بأسرع ما يمكن حتى خرج وكانت الأصوات تعلو شيئا فشيئا , ألقى بنفسه في بوابة الزمن وعاد الى الرجل العجوز , قال له وهو يلهث : لقد خرجوا يبدوا أنهم عمالقة , قال الرجل العجوز : افتح الصفحة واقرأ ما بها , فتح وقرأ : "علامة الشتاء الأخير ستكون سحابة سوداء كبيرة وحيدة تسقط قطرة ماء كبيرة , عندها ستجف الأرض ويموت الأشرار ".. طلب منه الرجل العجوز أن يعود الى بيته وينتظر العلامة لأنها ستكون قريبة جدا , خلال رمشة عين أصبح في بيته كما كان .. وجد أن الوقت لم يتغير والرجل اختفى وكل الأمور اختفت كأنه حلم .. ألقى بنفسه على السرير ونام , كان متلهف للغد لعله يحمل العلامة .

في اليوم التالي كان الجو شديد الحرارة والسماء صافية ولكن كانت سحابة شديدة السواد قادمة من جهة الغرب , عرف أنها العلامة ..عندما وصلت فوقه مباشرة سكنت في مكانها ونزلت قطرة ماء كبيرة على الأرض وتلاشت السحابة , اهتزت الأرض بشدة ثم سكنت .. اختفى كل شيء حوله وعاد الى بوابة الزمن , كان الرجل العجوز جالس بجانبها , أسرع اليه وقال : لقد حدثت العلامة والأرض اهتزت , قال الرجل العجوز : الأرض قد جفت الآن ومياه البحار والمحيطات غارت داخل الأرض .. لن يجد سكان الأرض السفلية ماء ليشربوا وسيموتون من الحر والعطش , ستأتي الوحوش وتأكل لحومهم حتى تطهر الأرض منهم لتستعد للولادة الجديدة , لقد بقي صفحة أخيرة للكتاب وعليك أن تأتي بها .. إنها داخل كهف في عمق المحيط الجاف في حفرة صغيرة وبوابة الزمن الثالثة بجانب الكهف ,عندما تسحبها ستفتح بوابات الماء وستعود الحياة للأرض ولكن بعد زمن , دخل الشاب الى البوابة ووصل الى عمق المحيط الجاف , دخل الى الكهف وأخرج الصفحة الثالثة وعاد عبر بوابة الزمن .. طلب الرجل العجوز أن يقرأ الصفحة , قرأ :" لقد فتحت بوابات الماء , انتظر المطر تحت شجرة جافة , لن تعطشوا لمدة من الزمن .. الآن استراحت الأرض وخففت من وزنها ".. قال الشاب : ماذا تعني ؟ قال الرجل العجوز : ستجف النباتات , يجب عليك وعلى الجميع الانتظار لمدة من الزمن .. لن تشعروا بالعطش , الأرض تتجدد .. عد الى بيتك وانتظر المطر .



18 تعليقات :

little princess يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم

قصة رائعة أستاذ أمجد ياسين......
انها اول قصة أقرأها لمدونتك ....وباذن الله لن تكون الاخيرة
تحياتى...........

amjad yaseen يقول...

أهلا بك little princess تشرفت بوجودك

little princess يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم...
عندى بعض الاسألة اذا سمحت استاذ أمجد :

1- هل حضرتك من يكتب كل القصص فى الموقع ؟؟
2- هل من الممكن أن يرسل الأعضاء أو الزوار قصصا لك لتنشرها ؟؟
مع تحياتى

amjad yaseen يقول...

نعم أخي /تي أنا من أكتبها بنفسي
حاليا لا يمكنني نشر أي قصة من تأليف الآخرين لان المدونة تحت التطوير

little princess يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا للاجابة.....
أنا فتاة.....little princess تعنى (الاميرة الصغيرة )

amjad yaseen يقول...

أهلا بك أعتذر لذلك .

Zeek يقول...

السلام عليكم أخي ياسين . اولا شكرا على القصة الجميلة و أسمحلي ان ابدي أعجابي و أحترامي لشخصك الكريم, انا من رواد موقع ما وراء الطبيعة ومن الناس الذين يقرأون تعليقاتك على المواضيع لأنها دائما محترمة و مفيدة الى الأمام أخي ياسين. سؤال صغير لو سمحت : لم أفهم نهاية القصة هل تنتهي القصة عند"عد الى بيتك وانتظر المطر" أو يوجد تكمله للقصة .

بصراحة انا جديد على قراءة القصص القصيرة فأعذرني بسؤالي لان القصة شدتني بقوه لاكن لم أفهم النهاية

amjad yaseen يقول...

أهلا بك أخي زيد , أنا اسمي أمجد ياسين .. نعم تنتهي القصة عند تلك الجملة , وهي انتظار المطر بعد أن تنقضي المدة المحددة وتعود الحياة الى الأرض من جديد .. بامكان أي شخص أن يكمل القصة حسب التسلسل ولكن أنا اكتفيت بذلك وأعتقد انها كاملة .

Zeek يقول...

أكثر من رائع أخ أمجد و كل التوفيق . سوف أقراء كل كتاباتك لانها جميلة و بها شيء مختلف .

خصوصا بائعة الفجل !

هديل الحمام يقول...

أخ أمجد
سلمت اناملك وقلمك
تسلسل القصه ممتع
لكني لم أفهم نهايتها مع الأسف
شعرت بنوع من الغموض يلفها ربما كان هذا المقصود لا أدري
أطيب المنى

amjad yaseen يقول...

أهلا اختي هديل الحمام , القصة هي خيالية جدا ولذلك يصعب فهمها .. مضمونها يتحدث عن انقطاع المطر.

pretty yoyo يقول...

little princess سابقا )
بسم الله الرحمن الرحيم....
مضمون القصة هو غموضها.....وهذا ما يجعلها رائعة..
أن تكون النهاية غير واضحة وذلك ليضع للقارىء حرية تحديد النهاية وهذا فى حد ذاته ينمى الخيال لدى القارىء وليس الكاتب فقط...
كما أن هذا أحد الاسباب لكونها قصة خيالية.

the Nightmare يقول...

وحش الوحوش (سابقا)...

السلام عليكم

لقد اعجبتني طريقة كتابتك للقصص أخي أمجد اسلوبك مميز في الكتابة اتمنى ان اصل إلى مستوى ابداعك..

يعطيك العافية

amjad yaseen يقول...

أهلا أخي/تي العزيز .. يسرني سماع رأيك وسأجيب عن أسألتك :

كم عمري : 20 عاما
مصطلح العودة لصفر : لم أفهم هذا ولم أفهم ما تقصد أرجو التوضيح حتى أجيبك .
بالنسبة لآينشتاين : نعم الخيال أهم من المعرفة وأنا أؤيده لهذا لدي قصص خيالية , لأن الخيال ينمي العقل ويفتح إمكانياتك إلى اللانهائي الغير محدود لقدراتك .. بخيالك تستطيع أن تطرق أبواب السماء السابعة وتخوم في أعماق الأرض السابعة وبإمكانك رؤية الملائكة والجن .. الخ وبإمكانك تغيير الواقع .. بالخيال فقط وما أجمل أن تتخيل .

amjad yaseen يقول...

شكرا لك أختي .. إطراء جميل وزائد بحقي , لكنك نسيت شيئا ما وهو , لم تجيبيني ما هو العودة لصفر , لأن الفضول يقتلني ...

وكمان ملحوظة : أرجوا منك ومن كل الإخوة أن لا يشعروا أنني أنزعج , فلا تتخيلي كم أشعر بالسعادة عندما أرى مهتما بقصصي ومهتما بالآداب .. لذا الإزعاج ليس موجودا بعالمي , تكلمي واسألي ما تريدين فأنا كلي آذان صاغية ..

بالنسبة لآخر قصة لدي , أضفتها البارحة واسمها "الكويكب" غن أردت قرائتها فاضغطي على زر الصفحة الرئيسية فستجدينها اول الصفحة او أضيفي اسمها لمربع البحث في أعلى يسار الموقع , او ادخلي على هذا الرباط :
http://amjad-stories.blogspot.com/2011/08/blog-post_02.html

شكرا لك ورمضان مبارك .

amjad yaseen يقول...

جميل جدا , مصطلح لأول مرة أسمع فيه .. معلومة جديدة

هو كوقوفك أمام باب كبير وعندك مهمة فتحه , تفكرين وتخططين لكيفية فتحه لكن في النهاية تفشلين , لكن الأمر لا يحتاج سوى ضغطة على مقبض الباب ليفتح , لو ضغط على المقبض من الأول لسمي مصطلح العودة لصفر وإن بقي يفكر فيسمى مصطلح "التقدم المعقد" .

شكرا لك وللمعلومة الجميلة

غير معرف يقول...

ايه المغزى الرئيسي من القصة

يعني ماهو الهدف الذي تريد القصةايصاله لنا

وشكرا

amjad yaseen يقول...

المغزى من القصة هو انقطاع المطر وتخلص الأرض من الأشرار .. الشتاء الأخير .

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021