13‏/5‏/2012

الشيطان

.. العالم ليس ذاك البعدين .. البعد الثالث هو الوهم , هناك يدبّ بخطواته السوداء على شاطئ البحر القديم والكائنات الزاحفة تنظر إليه .. بدون ملامح ذهب , وعلى رمال الشاطئ ترك أثره .. مادة لم تنبت الأرض مثلها من قبل .. وكلمة جديدة في قاموس الكوكب العائم في الفراغ , الخالي من السكان .. عديم الحياة .. منذ ذلك الحين لم تنبت الشوطئ نباتا وبات الليل يحوم هناك للأبد , والقمر يحاول دائما إغراق الشواطئ لكنه يفشل .. حتى يخفي أثر من قَدِم إلى الكوكب في يوم ما من تاريخه السحيق , لم يكن هناك زمن , ولم يكن هناك حاضر ولا ماضٍ ولا مستقبل .. لكن الزمن بدأ يرتسم على ملامح الكوكب لأنه على الفطرة يعرف أن السواد ليس جميل , ولأن الشمس كانت تحيط به من كل الجهات , ولأنه لم يعرف الليل يوما .. شيء حار مخلوق من الحرارة غاص في البحر وصدم أديم الأرض ليرسوا في قلبها , حتى لا يعرف الكوكب الحب ..


الإنسان الأول


... الجبلّة الأولى ترسوا في الجنة المثالية أخذتها كائنات النور من ظهر الكوكب .. كتلة من الطين سميت بـ "الإنسان" هو الذي سيبعث الحياة من جديد للكوكب بعد سباته الطويل .. كان مقرر له أن يرسوا في الجنة للأبد لولا أنه تناول من الشجرة الحرام .. كان مكتوب أنه ليس هناك كمال في الكون .. أبدا .. لهذا سيموت الكون في يوم ما وستموت كائنات النور ويموت الكائن الطيني ويموت الكائن المخلوق من الحرارة .. غضب عليه الإله العظيم وأنزله إلى الكوكب يحمل عقدة الموت .. وأنزل الكائن الحراري معه بعد أن كان مكرّم , فلا أحد يعصي الإله العظيم ولا يعاقب .. أعطاه عطية التفكير التي تمكنه من السيطرة على الكوكب , وكان التحذير له من السماء .. أن إحذر الكائن الحراري فهو عدوك اللدود .. 


البعد الرابع


.. علّم الإله العظيم الكائن الطيني كل الأشياء وأخبره عن أبعاد الدنيا .. البعد المنظور وبعد الواقع وبعد الوهم وبعد الإيمان , وأخبره أن الكائن الحراري سيهتم بثلاثة أبعاد وينسيه البعد الرابع .. لكن الكائن الطيني حمل أيضا عقدة النسيان معه إلى الكوكب , وحتى لا ينسى أعطاه الإله العظيم الرسالة من السماء وأخبره أنه مفضّل على الكثير من الكائنات .. بينما الكائن الحراري بقي في قلب الكوكب ينجب أبنائه ويلقي عليهم الدروس .. من حينها بدأ الكوكب في الدوران , وعانى الكائن الطيني من الزمن وعاني من الكائن الحراري .. فقد كثرت أبنائه بسرعة وهو يسير ببطئ .. بيده السوداء أمسك حفنة من التراب ونثرها في الهواء وأخبر أبنائه أن التراب ضعيف وهش الذرات والحرارة تحرق كل شيء , وفي قلبه حقد لن ينطفئ حتى اليوم الأخير للدنيا ونشر حقده في قلوب أبنائه للأبد .. من هنا بدأت الحرب الخفية ضد البعد الرابع الذي أتى به الكائن الطيني إلى الكوكب .. ليتحقق الوعد بأن الأرض ستكون جنة , لكن لا جنة بوجود الكائن الحراري .. 


النسيان

.. الأب الأول حمل الرسالة والأبناء نسوها لهذا لعب الكائن الحراري بهم ودفعهم لفعل شيء عظيم .. لقد قتل الأبناء بعضهم وسال الدم على وجه الأرض .. كانت هناك رجفة قوية شعرت بها الكائنات وكانت هناك ضحكات عالية في قلب الكوكب ... الحزن صاب الأب بعدما كتبت عليهم عقدة أن يقتل بعضهم بعضا للأبد .. لا أمان ولا تعاطف , فقط حقد قد اشتعل على يد "الشيطان" .. فكلما نسى الإنسان ذكره االإله العظيم بالرسالة العظيمة حتى حملها القلة إلى الزمان القادم للكوكب , لأنه لن تنتهي الأيام وقد ضاعت الرسالة .. ولن تضيع لأنها من الإله العظيم ..


الرسالة الأخيرة


لقد دار الكوكب حول نفسه كثيرا جدا وجرت أحداث كثيرة جدا .. لكن الحرب الخفية لم تهدأ , والقلوب ممتلئة غيظا حتى عبد الإنسان الحجارة , والحجارة أصبحت تتكلم , لأن الشيطان سكن فيها .. لقد كانت بشرى , أن رجلا يحيى عند المكعبة سيعيد إحياء الرسالة لأن الله إختاره وعلى الجبال كتب اسمه .. أحمد .. وكل من بقي متمسكا بالبعد الرابع تبعه وآمن به لأنهم يعلمون أن الإله العظيم يمتلك كل الحياة , وأحمد على كتفه حمل الرسالة من غار نائي على سفح جبل ... لم يتسائل الناس لما كان يقضي جل وقته في ظلمة غار , لما ينظر إلى السماء .. ماذا يرى وهم لا يرون .. لقد رأى الحقيقة ورأى البعد الرابع يحوم فوق المكعبة , فعلم أن الرسالة ستولد من جديد ها هنا .. كل طاقات الكون تشحن من المكعبة , من داخلها .. الحجر الأسود ..

في ذات يوم زارت أحد كائنات النور أحمد في الغار وأخبره بالرسالة العظيمة .. كانت رسالة ثقيلة جدا وأحمد كان المختار وعانى كثيرا في عرضها على الناس , لكن الكائن الحراري أعمى بصرهم عن البعد الرابع فلم يستجيبوا لأحمد .. وضربوه وآذوه , ولم يكن معه سوى القلة , أؤلائك الذين يعلمون أن العالم يمر في مشكلة وصلاحها عند رسالة أحمد ..

رجل الغار الفريد من نوعه أصبح يملك دولة عظيمة تخضع لها كل الدول , عنده أفضل وأقوى الرجال .. عنده كل الصفات الحميدة التي فقدها الناس .. عنده رسالة من الإله العظيم , عنده ما يغيظ الكائن الحراري .. لهذا دفع الدول لخوض الحروب معه .. لكنها فشلت وانتصر أحمد والرسالة عمّت العالم وتكلم الجميع عن الرجل الأسطورة ... ومن حب الإله له جعله يزوره في مكان لا يدره أحد , ونال أحمد الكرامات والحب الكثير .. وعادت أسس الرسالة من جديد ..

بعدما مات أحمد .. عاد الكائن الحراري ليهدم أسس الرسالة وعاد لمعاداة البعد الرابع .. الباقون ثبتوا وعادوا الشيطان للأبد وحملوا الرسالة والبعد الرابع على أكتافهم للمستقبل .. والكوكب ما زال يدور , وأبناء الشيطان كثيرون .. والثابتون كثيرون يهتفون بالرسالة .. يستعدون للمعركة الأخيرة مع الكائن الحراري ..


الحضارة


.. ارتأى الإنسان بنفسه لأعلى مراتب العلوم والمعرفة حتى أصبح المهيمن في الكون حسب اعتقاده .. والشيطان ما زال يعمل , وكان عمله الأخير أن جعل الشر في غطاء الحضارة .. لأن هناك ما زالوا يركعون له وهناك من ضيعوا البعد الرابع وأغرقهم الشيطان في البعد الثالث .. وأعطى الإنسان دفعة ليخفي الخبث خلف أديم وجهه , وأعطاه دفعة ليقتل الناس بطرق بشعة .. وأعطاه دفعة ليخيف الناس بالأساطير .. وأعطاه دفعة ليكذب كثيرا على الناس وبالنهاية يصدق .. وأعطاه دفعة ليحيى في المستنقع القذر للأبد , كله تحت ستار الحضارة .. لكن أصحاب البعد الرابع تمسكوا برسالتهم وكان وعدا قطعوه على أنفسهم منذ الأب الأول مرورا بابن العذراء وأحمد .. والرجال لا يخلفون وعدهم والإله العظيم لا يضيّع رسالته .. ويستعدون للقاء الكائن الحراري في آخر معركة .. هناك في السماء , كائنات النور تدعوا لهم والإله العظيم بعينه يراهم ..


المعركة الأخيرة


دار الكوكب كثيرا حول نفسه وما زال الكائن الحراري في قلبه .. لكن آن له أن يخرج أمام كائنات الطين ليعلن حربه الماكرة في سبيله لهدم البعد الرابع .. لكنه وعد , حتى بعدما رأوا صروحه العظيمة ترتفع حول الكوكب .. ذلك لم يكن مصدرا للخوف لانهم ألقوا الخوف تحت الشجرة الحرام .. والقادة لم ينتهوا ومن يحملوا الرسالة لم ينتهوا .. رجل يسير على نهج أحمد سيوقع الهزيمة بالكائن الحراري ويستريح الكوكب من الدوران وسيعيشون معا .. حاملي البعد الرابع يساندهم ابن العذراء , كانت بركة منذ البداية وستعود بركة وكما أخرجوا من الجنة سيعودون .. أبناء الإنسان الأول الحقيقيون .. أما أؤلاء أبناء الشيطان لا مكان لهم في القلوب , فهم منبوذون للأبد وسيلقون الحزن الشديد والندم الشديد ..


" .. لم أكن أفكر بنفسي كما أفكر بالكتاب .. لم أدر يوما أن الرسالة موجودة , ولم أدر أن الكائن الحراري كان ياتيني كل ليلة ولا يدعني أرتاح .. كان موشحا بالسواد ورائحته كالكبريت .. يخبرني عن أشياء لم أقتنع بها , ودعاني لمحاربة أصحاب البعد الرابع .. لكني لم أكن منهم .. كل تلك الكتب القديمة والغريبة التي ألقاها في خزانتي لا أدري من أين مصدرها .. ذات رائحة جميلة لم أشتم مثلها من قبل .. جعلتني أفكر وجعلتني أبحث عن أصحاب البعد الرابع حتى وجدت أحدهم وكان يملك مفاتيح الدنيا وقادني للخير .. لم أعد أستمع للكائن الحراري ولم أعد أستقبله وأخبرته أنه يكذب جدا وقصة الحياة موجودة في الكتاب .. لا أدري لما صرخ وهرب من أمامي .. سيبقى الكتاب للأبد .. يبعث رائحة جميلة .. "




أمجد ياسين



  

6 تعليقات :

غير معرف يقول...

واااااااااااااااااااااو
اهنيك على فكرك العالي وكلماتك الجميلة
دائماً من الافصل الي الافصل . الله يبارك فيك


(هيثمو)

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيـــــــم...

رائع كعادتك استاذ امجد....سعيدة لأننى قرأت هذه القصة..
واعجبتنى النهاية جدا والفكرة كلها جديدة ومثيرة...

اتمنى ان يفعل الجميع كذلك ايضا ولا يستمعوا للكائن الحرارى...ولكن للأسف كثير لا يفعلون...^_^

تحياتى اخى...

amjad yaseen يقول...

السلام عليكـــــــــــــم


شكرا لك أخي هيثم جزيلا وشكرا لك أختي العزيزة بريتي ولوجودك المنير ..


تحياتي واعتنوا بصحتكم ..

غير معرف يقول...

ما شاء الله اكثر من رائعة

غير معرف يقول...

ما أروع الحاله والرساله والأمانه ............ ما أحلي اليقين .

غير معرف يقول...

كلام مؤثر وواقعي
لخصت الحياه ببدايه ونهايه من خلال افضل روايه وحكايه
اتمنى لك كل التوفيق والتقدم
صهيب عبيد

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021