7‏/6‏/2012

الشفق البارد

" أخبره كتابه عن الإثارة والإكتشاف العظيم في أقصى شمال الكوكب .. انطلق مع مجموعة من محبي المغامرات إلى الشمال في رحلة لإكتشاف المجهول والكائنات البيضاء التي يخبر عنها الكتاب .. كتاب كتبه مستكشف مجهول أخبر فيه عن عجائب وغرائب لا يتخيلها الإنسان .. كله شغف للتقدم لكن الظروف البيئية القاسية أجبرته على الإنسحاب .. في رحلته هذه فقد ثلاث من أعضاء فريقه لكنه استطاع الصمود هو ومرافقه الوحيد حتى وصولهم الديار .."


في تلك الليلة الهادئة كان يكمل قراءة كتابه المكون من مائة ألف صفحة .. في إحدى صفحاته تحمل عنوان "محور الأرض" تقول .. "عند الإنقلاب الصيفي ستخرج الكائنات البيضاء للحصول على الماء العذب الناتج عن ذوبان الجليد ولن تتعدى 10 درجات عن محور الأرض , ستتوه بعض أطفالها مع المدار ولن تراها سوى في الإنقلاب القادم ..", رن هاتفه وكان المتصل نائبه يخبره عن بدء الإجتماع .. نظر إلى ساعته وكانت تشير إلى العاشرة مساءا .. طلب منه تأجيل الإجتماع وأن يوافيه حالا إلى بيته ..


الساعة العاشرة والنصف وصل المدعو , دعاه الوزير للجلوس بلهفة وخاطبه .. أتذكر تلك الرحلة إلى القطب قبل عام ؟ أردت أن أخبرك , ما الذي سنفعله بالطفل الذي جلبناه معنا .. منذ عام وأنا أحتفظ به هنا لأني قرأت كلام غريب وقد أخافني , اقرأ هذا !! ... شعر نائبه بالرعب وتغيرت ملامح وجهه ثم قال .. وهل تصدق هذه الخرافات , هذا الكاتب كان خياله خصب ! .. صرخ الوزير في وجهه .. أين الخيال في ذلك عندما أخبر عن الأطفال ؟ , أخبرني أين ! .. لنواجه الأمر معا , أنت من طلبت مني أن أجلبه معي .. انتظر هناك المزيد , اسمع .. " عندما يذوب الجليد المتجمع حول البوابة ستخرج أشياء هائلة من باطن الأرض .. سيعثرون على أطفالهم وسيندم الرجل الهارب .. " ما رأيك .. انتهى أمري , أليس كذلك .. هل تريدني أن ألق بذلك الشيء القذر من النافذة ؟ .. حاول نائبه تهدئته وقال .. لا تقلق سيدي الوزير , لا تتوقع الأشياء السيئة .. هذا الكتاب قديم ولا أدري لما أنت مصر على قرآءته , ليس هناك ما يقلق .. أخذ الوزير نفسا عميقا وهدأ وقال .. أتمنى ذلك يا سعيد , أتمنى ذلك , وإن حصل لي مكروه لا تنس عائلتي .. نحن زميلان وعلاقتنا ليست رسمية أكثر منها أخوية .. ليلة سعيدة .


في تلك الليلة المقلقة أمضى الوزير في قرآءة الكتاب وصوت الكاتب يعلو في الغرفة والقلب ينبض ويرجف بشدة .. "الخاطفون" .. "عادت باخرة عبر المحيط المتجمد الشمالي تحمل مستكشفين حصلوا على الأطفال .. كان ذوبان البوابة سريعا وخرجت الأشياء الهائلة من الأرض .. اختفت الباخرة دون أثر وسجلت كحادثة غامضة .. في مركز الإتصال تلقوا رسالة من الباخرة قبل تبخرها تقول .. النجدة .. النجدة .. هناك شيء غريب , هل تسمعوننا .. ليس هناك سماء .. نحن وسط دوامة بيضاء والبوصلة فقدت صوابها .. ثم قطع الإتصال ولم تعد الباخرة للأبد .. في عام 1820م تم تسريب الرسالة .. " .... "الأرض الغريبة" ... ".. كان أحد الرجال ملقى في منطقة نائية ومغطى بمادة لزجه .. لم يكن يتكلم أبدا , كتب قصة عجيبة عن أرض رآها بعد اختطاف الباخرة .. أرض مليئة بكائنات بيضاء , كأنها الأحلام أو الجنة .. لم يكن يدر أين ذهبت الباخرة أو الطاقم أو كيف وصل إلى هنا .." .


بعد أسبوع زار وفد بيت الوزير في زيارة رسمية , كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءا .. رسائل البريد متناثرة وممزقة في الحديقة , إحدى الأشجار كانت محطمة .. لم يكن الوزير حينها في بيته ولم يكن ثمة شخص آخر في البيت كذلك ... عودة للوراء أربعة أيام , تلقى نائب الوزير رسالة غريبة من وزيره يخبره فيها أنه متوجه إلى القطب وفي حوزته الطفل .. وطلب منه أن يتبعه إن تأخر في العودة ... هدوء عم البلد بعد الإعلان عن اختفاء الوزير المفاجئ .. كان ذهول كبير واعتقد الجميع أنه اختطف أو قتل .. بعد يوم اختفى نائبه أيضا ووقفت الصحافة عاجزة عن تفسير شيء ..


 في ليلة مليئة بالنجوم تحت جنح الظلام قاد سعيد فريق من المستكشفين وانطلقوا سرا عبر البحر للبحث عن الوزير .. كانت رحلة طويلة وباردة , مع تصبّغ السماء بألوان زاهية في الليل كانت هناك ألوان زرقاء تنبعث من بعيد .. ألوان الشفق القطبي تخرج من الأرض , عندما رست سفينتهم على الجليد لم يكن أمامهم وقت .. ربما رحل الوزير للأبد , وربما ما زال يسير على الجليد يحمل الطفل ... 


في الأعماق قريبا من البوابة كان الوزير يجلس وبجانبه الطفل ويحدقون جميعا بالألوان الزرقاء الزاهية المنبعثة من الأرض .. كان ينتظر وهو خائف , لذا أغمض عينيه وتنفس ببطئ ... بعد فترة من الهدوء شعر بلمسات وحركات من حوله , حاول أن يبدي السلام لكنهم أمسكوا بيده .. فتح عينه , كان أمام الكائنات البيضاء وجها لوجه وهي تحدق فيه وتتفحصه وتنظر إلى طفلها .. أراد أن يخبرهم أنه لم يختطفه , لكنهم لم يفهموا ما يقول .. تفاجأ بكونهم يصافحونهم وكأنهم يباركون له ويبتسمون له وكانوا مسالمين جدا , لم يصدق أنه لن يختفي أو ينتهي .. حملوه معهم إلى عالمهم وعاش معهم لوقت يسير , رأى فيه العجائب والذهول .. لم يخبر أحد من قبل عن ذلك , كأنه سر دفين لن يخرج للنور .. لكن متعة الإستكشاف قادته له , تاه فريق سعيد بين الجليد ولم يعودوا أبدا .. لكن الوزير عاد في ليلة صافية يحمل هدية من العالم المجهول .. كان كتاب يحمل خرائط وكتابات غريبة تصف ذاك العالم أعطت إياه الكائنات البيضاء ..

نشرت الصحف خبر العودة بدون تفسير , لكن الوزير كان يريد تفسير ما حدث .. عندها ألقى خطابا أمام الصحافة .. خطابا مطولا وغريبا جعلت الناس يشكون في سلامة عقله , لم يخبرهم عن الكتاب لأنهم لم يصدقوا قصته ولم يكن هناك شاهدا معه .. بعد فترة قدم استقالته وتفرغ للقرآءة والكتابة ورحلات الإستكشاف هوايته منذ الصغر ... كأي إنسان لم يعش طويلا , قبل موته دفن كل كتبه التي كتبها وكذلك كتابه القديم والكتاب الذي جلبه معه من الأرض الغريبة وكتب وصية قال فيها .. لأنكم لم تصدقوا الحقيقة بسهولة , يجدر بكم الآن البحث عنها بصعوبة .. 



أمجد ياسين

    



4 تعليقات :

غير معرف يقول...

القصة مرة جمييلة جدا تسلم يد كاتب القصة

amjad yaseen يقول...

صباح الخير ..

شكرا لك .. أنا كاتبها .

تحياتي

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيــــــم...
اعجبنى اصرار هذا الوزير...
الغموض الذى يحيط بالقصة هو اكثر ما اعجبنى...واكسبها نكهة مميزة...
وكالعادة طبعا...لا يسعنى الا ان اقول ..:"قصة رائعة استاذى..^_^"

تحياتى واتمنى لك التوفيق..

amjad yaseen يقول...

السلام عليكم ,,

أهلا بك أختي العزيزة (بريتي يويو) , أنا سعيد لوجودك هنا وسعيد أيضا لأن القصة أعجبتك ..


شكرا لك

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021