2‏/7‏/2012

الحياة خارج الصندوق

.. الرحلة متجهة إلى "سياتل" آنستي .. حسنا , إذا أنا متجهة إلى "سياتل" .. تنفست الصعداء عندما جلست في الطائرة , أزالت عن رأسها غطاء الشتاء , لقد مرت بسلام .. كانت تعلم أن تلك المرأة قد ملأت الصحف بحثا عنها .. لا يهم , أنا في الطائرة الآن .. سأرتاح , لا خوف , لا ظلمة , لا وحدة , لا كبت .. ما أجمل المناظر من هنا , ليت (مرجان) تعرف معنى الجمال , تلك المجرمة !! .. ثم بكت بهدوء .. 


لم تنتبه لمن يجلس بجانبها حتى سألها عن سبب بكائها .. قالت بتلعثم وهي تمسح دموعها .. لا شيء سيدي , أنا بخير .. كم انتظرت ذلك السؤال , لقد افتقدته منذ زمن .. بادرها بالكلام .. مهما يكن ذلك الشيء الذي تبكين لأجله آنستي , فهو لا يستحق تلك الدموع , ربما تعرضت للإساءة لكن أنت الآن هنا , تحلقين .. انزعي كل فكرة سيئة من عقلك .. قالت وهي تبتسم .. نعم , حسنا ! , قال .. لدي موهبة جميلة , أدرك ما يجول في خاطر الناس عندما أكون بقربهم , ألست أنت (لمار) المذكورة أنك ضائعة في الصحيفة .. نظرت إليه ببراءة ثم بكت كالأطفال وأخذت تتوسل ألا يخبر أحد بذلك .. سألها .. ولما أنت ضائعة يا آنستي ؟ .. قالت .. سيدي , هناك شخص مجنون يريدني عبدة وحبيسة الجدران , شخص خالي من العواطف .. أنا لست ضائعة ولست هاربة .. فقط أريد أن أرى شيء جميل , أريد أن أتنفس .. كانت الغيوم تسير بجانبها وهي تحلق ..


" أنت في السماء (لمار) .. انظري تحتك , أنت في السماء .. ألم تعشقي الرسم من صغرك , ألم تخبري العصافير عن أحلامك , ألم تبني من المكعبات قريتك الصغيرة .. يا لمخيلتك الصغيرة يا فتاة , كم تقسوا عليك الحياة .. مثلك لا يستحق القسوة , منك تخجل الطبيعة .. تبسمي الآن , أرجوك .. دموعك غالية جدا وحرام أن تملأ وجهك الجميل .. " , كم أنت لطيف صديقي (إيلي) .. رسائلك جميلة , تخرج رسالة تلو الأخرى وتغرق في قراءتها .. كان (إيلي) بائع الخبز , يحضر الخبر لـ (مرجان) , وبطريقة ما يعطي رسائله لـ (لمار) .. كان شخص لطيف للغاية ويعطيها نوع من الحياة والسعادة .. كان خبزه ألذ خبز في المدينة , لكنها لم تخبره أنها راحلة , لا سبيل لذلك أبدا .. سيعذرها يوما وسيجدها يوما .. فزقاق المدينة الضيقة لا تمحوا الاثر مهما طال الزمن ..


تطلب من مضيفة الطيران أن تعطيها زهرة زرقاء , فكان لها .. بقي 5 دقائق لتصل (سياتل) , تتشبث بالزهرة وكلها حماسة .. عندما وضعت الطائرة عجلاتها شعرت بتلك الهزة اللطيفة , هي الآن على الأرض .. تجر حقيبتها المليئة بالأوراق وبعض الحاجيات الجميلة وتسير في الطرقات وفي كل مكان , وفي كل مكان تختاره تضع بتلة زرقاء حتى طافت المدينة وتعبت وجلست على مقعد خشبي تحت شجرة , ثم هطل المطر وهب الرياح .. لم تلبث أن تجمعت كل البتلات أمامها تحمل بصمات من حملوها فلم تبقى على الزهرة سوى بتلة واحدة , حملتها بتراخي حتى نامت ..


" المطر ليس سيء أبدا , هو شعور وتجربة جميلة .. هو شعور بالحرية , لكن خوفي الوحيد هو أن يتبلل الخبز .. لا بد أن تضعي حقبتك تحت المقعد حتى لا يتسلل المطر إليها ويأكل الأوراق .." لقد فعلت كما طلبت وأريد تجربة المطر , يجعلني أحلم بأحلام باردة جدا .. هل (سياتل) هكذا دائما تقبع تحت المطر .. حين خلا الشارع تماما والشجرة فوقها كانت تبكي قطرات مطر .. تضم نفسها بشدة , لا مأوى لها .. حان للشمس أن تشرق بعد غياب طويل , أخرجت دفتر الملاحظات وكتبت .. تجربة المطر كانت جميلة , لكنها قاسية بعض الشيء .. 


ألن تخرجي من بين تلك الزقاق والبيوت الكبيرة , ألا تودين سماع قرع نعلك , ألا تحبين الهدوء الشديد ؟؟ .. كانت ترقض في وسط الغابة بحرية كبيرة جدا , تستمع لصوت نعلها ثم صوت النهر , اصطادت الأسماك وتناولت طعامها بشهية , لا بد أنها تجربة جميلة جدا .. " بعد أن تشعري بالحرية حاولي تبديل فستانك .. ستحتاجين إلى المال , جربّي العمل المناسب .." كانت لطيفة تلك السيدة عندما ساعدتها في حمل بعض الأغراض , شكرتني جدا وطلبت منها أن أعمل .. كان حظّي جميل لأن تلك السيدة كانت تملك محل للزهور وكم أعشق الزهور .. كان عمل جميل ولطيف وجنيت منه المال واشتريت فستان أزرق .. هل ستتركينا (لمار) ؟ .. لا سيدتي , دعيني أكمل تجربتي وسأعود لك .. 


الآن لدي فستان جديد .. " .. أن تحى زهرة في حقل أخضر , ستحبها الفراشات .." , كانت تلعب في حقل واسع جميل في ريف (سياتل) ليومين , تعلمت أن الإبتسامة هي رسمة من الطبيعة الجميلة , أن الألوان رائعة في الحياة .. أن اللون الأسود شيء نادر في الطبيعة .. الحياة هي حركة بكل الإتجاهات تجعل مجربيها يلتفتون إلها كالأطفال ليغنموا قليلا من الجمال ..


لقد غادرت (سياتل) بعد أن فهمت الحكمة , كانت آخر رسالة لـ (إيلي) .. ".. الشرير يلين من الوردة .." , أتدركون أي باب تطرق الآن , إنها (مرجان) , لأنها وضعت آخر بتلة زرقاء على بابها وفي يدها زهرة من محل تلك السيدة .. لأول مرة تبسمت (مرجان) , حتى أنها لم تتكلم ولم توبخ كعادتها .. كان الشيء الوحيد الذي يحدث حينها هو أن تعانقها بحرقة وبكت كثيرا جدا ونحبت كثيرا .. الزقاق الضيق لا ينسى أثر من مر ..


أمجد ياسين

3 تعليقات :

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيـــــــــم..

صدقا..لم استطع ان اتوقف عن الابتسام وانا اقرأ هذه القصة...
رائــعة جداجدا اخى بكل ما تعنيه الكلمة من معانى..
وبالفعل تحمل فكرة مميزة جدا و جديدة..
واعجبتنى جدا آخر رسالة ل"ايلى"....فهى حكمة جميلة يمكن ان نتبعها فى الحياة...

تحياتى استاذ امجد...واتمنى لك التوفيق D:

amjad yaseen يقول...

السلام عليكم ..

مساء الخير أختي (بريتي يويو) , كيف حالك ؟

عرفت أنها رائعة من كلامك .. شكرا لك وشكرا لوجودك ..

تحياتي

غير معرف يقول...

السلام عليكم اخي
القصة جميلة
وعندي طلب اخي
ياليت نرفع Illuminati III المتنورين 3
والله انا شفت جزء اول لي ترجمته وكان جميل
ولكن اخر دزء تم حذفه وبحثت طويلا ولم القى اي رابط شغال
ياليت لو تتكرم اخي ترفع لنا هاذ الجزء
واتمنى منك المواصلة في ترجمة باقي الاجزاء
وجعلها الله قي ميزان حسناتك

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021