21‏/12‏/2010

24 ساعة من الليل , ج 1

  انتهى من عمله كالعادة في ساعة متأخرة من الليل , استقل سيارته عائدا الى بيته , كان الجو ماطرا وشديد البرودة , في وسط الضباب الكثيف شق طريقه , في ذلك الوقت كانت الحركة قليلة والطرقات شبه خالية , الكل في منزله يتدفأ أما سامر فيجبر على العمل لساعات متأخرة وفي مثل هذا الجو القارس , مع أنه غير متزوج ولا يعيل أطفال لكنه يجمع المال من أجل مشروع خطط له .

في منتصف طريق العودة لمح فتاة واقفة على قارعة الطريق تلوح له بيدها والمطر الغزيل ينهمر عليها , توقف بجانبها وطلب منها أن تصعد , كانت تبكي وبدى عليها الخوف وكان وضعها يرثى له , كان سامر يقود السيارة بهدوء ولكنه ينظر إليها من مرآة السيارة بنظرات خاطفة , كان من النوع الخجول لذا تردد في سؤالها , بكائها أشعره بالشفقة عليها وسألها بسرعة : مابك , هل هناك مشكلة ؟ لكن بكائها منعها من الإجابة , توقف فجأة على جانب الطريق وأخذ يضرب جبينه بيده وقال : يا لغبائي ! نسيت أن أسألك إلى أين وجهتك .. قالت له بصوت خافت : أبعدني عن هذا المكان وحسب ! .. لم ينتظر للحظة , ضغط على دواسة البنزين وانطلق مسرعا , اعتقد أن هناك مشكلة كبيرة تواجه الفتاة , خاطبها بعجلة : إلى أين أوصلك أيتها الآنسة , قالت له : خذني إلى بيتك ! لم يتفوه بكلمة واحدة وانطلق مسرعا , في قلبه الريبة والشك منها حتى أنه كان ينظر كثيرا في مرآة السيارة الجانبية خوف من كون أحد يلاحقه .. 

سار حتى وصل إلى بيته , أطفأ  المحرك ودخل ومعه الفتاة إلى البيت , أشعل الموقد وجلس بجانبه حتى يتدفأ , أخبر الفتاة بأن تنام في غرفته وهو سينام على الكنبة .. بينما هو يتدفأ ويرتشف كوب من الشاي الساخن , نادته الفتاة من خلفه : هل عندك إبرة وخيط .. أعطاها ما تريد دون أن يسألها لماذا تريدها .

وضع رأسه على الكنبة لينام لكنه لم يستطع , كان يفكر بتلك الفتاة وفي رأسه عشرات الأسئلة نحوها .. مضى الوقت وهو يحاول النوم دون فائدة , كان الهدوء يملأ البيت بشكل مريب , عند الساعة 11.50 دقيقة مساءا , سمع صوت غريب يصدر من غرفته .. صعد الدرج ليرى ما الأمر , طرق الباب ونادى : أيتها الآنسة , هل هناك مشكلة ؟ لكنه لم يسمه سوى صوت غريب يشبه الأنين .. فتح الباب قليلا بهدوء ونظر بطرف عينه عليها , شاهدها تتحرك بشل مرعب وتقوم بخياطة يدها , لم يتمالك نفسه .. أغلق الباب بهدوء وأسرع إلى خارج البيت ليهرب , كان الرعب يملأ قلبه .. توجه إلى سيارته لكنه تفاجئ بكون خزان الوقود مثقوب وكذلك الإطارات الأربعة , لم يتمالك أعصابه .. عاد بهدوء إلى بيته ليحضر معطفه عن الكنبة , سار على رؤوس أصابعه , عندها دقت الساعة بصوت عالي مشيرة إلى 12.00 منتصف الليل , أضاء البيت كله فجأة ثم انطفأ واشعلت الموقدة من تلقاء نفسها .. انطلق صوت صراخ مفزع من غرفته , ركض للخارج لكنه تعثر بالدرج وأغمي عليه .. بعد ساعتين عاد لوعيه وأدرك ما جرى له , وقف على قدميه ونظر إلى ساعته فوجدها ما زالت تشير إلى 12.00 منتصف الليل , لم يصدق أنه أغمي عليه لثواني فقط ولم تكن ساعته معطلة بل كان عقرب الثواني يعمل , وهو ينظر إلى ساعته شعر بجسمه يتصلب ولم يقدر على الحراك , فقط عينيه هي التي تتحرك ويشعر بها , لا يستطيع أن يرى سوى باب بيته وساعة يده والأرض أمامه... بعد ساعتين على هذا الحال تحركت الساعة مشيرة إلى 1.00 بعد منتصف الليل , عندها عاد صوت الصراخ بشكل مرعب بحيث يجعل الدم يتجمد في العروق , تحطم زجاج النوافذ من شدة الصراخ , كان سامر عندها في أشد حالات الخوف , حاول الحركة والهرب لكن جسمه بدأ يغوص في التربة حتى وصل إلى الكعبين .

بعد أربع ساعات تحركت عقارب الساعة مشير إلى 2.00 بعد منتصف الليل , عندها بدأت الأضواء في بيته تتصرف بشكل جنوني والصراخ ازداد بشكل يصم الآذان .. كان خيال تلك الفتاة ينعكس أمامه من النافذة وهي تتصرف بشكل مرعب , كانت تخلع يدها وتخيط يد أخرى مكانه , سامر كان يشاهد خيالها أمامه وقد وصل الخوف عنده إلى أقصى درجة , حاول الحركة لكن جسمه غاص في التربة إلى الركبتين , بعدها هدأ كل شيء .
بعد أربع ساعات تحركت عقارب الساعة مشيرة إلى 3.00 فجرا , عندها أضيء كل البيت بضوء ساطع وعاد صوت الصراخ بشكل مريب مما جعل جدران البيت تتشقق , حاول سامر الحركة لكنه غاص في التربة إلى الحوض , كان آخر شيء رآه هو رأس تلك الفتاة ملقا أمامه بعد أن ألقته الفتاة من النافذة , عندها أغمي عليه من شدة الرعب , بقي مغشيا عليه لمدة 12 ساعة ... بعد أن عاد لوعيه نظر إلى الساعة فوجدها تشير إلى 5.58 صباحا وما زالت الدنيا ظلاما .. رآها تخرج من باب بيته وتقترب منه بسرعة خاطفة , نظرت إليه بعينيها الحمراوين وقالت : شكرا لك! اليوم خرجت من صفتي الإنسانية .. وبعدها اختفت بسرعة هائلة .

أشارت الساعة إلى 6.00 صباحا وعندها اختفى الظلام وظهرت الشمس فجأة وعاد جسمه إلى الحركة والسيارة لم تعد معطلة وزجاج البيت وجدرانه عادت لطبيعتها , سار يمينا وشمالا وهو مذهول من هول ما جرى , دخل بيته وكان كل شيء طبيعي إلا شيء واحد وهو التاريخ , حيث كان يشير إلى الثاني من كانون الثاني , تذكر أنه عندما عاد من عمله تلك الليلة كان التاريخ يشير إلى الواحد والثلاثين من كانون الأول أي أن هناك يوم ضائع , لم يعلم ماذا حدث وأين ذهب ذلك اليوم الذي يصادف بداية العام .

رن هاتف الجوال وقد كان المتصل المدير العام للشركة , رد عليه .. المدير : ماذا حدث يا سامر , لم غبت بالأمس دون أن تعلمنا بذلك ؟ .. لقد تعطل العمل بسببك , أنت تعلم قوانين الشركة , من يتغيب دون اذن يطرد ... سامر : سيدي , أنت لا تعلم ما حدث , هل تعتقد أن تتحول ليلة من 6 ساعات إلى 24 ساعة , لقد مررت يا سيدي بليلة مريبة , لقد كانت كابوس فظيع .. ادعوا الله أن لا يريك مثلها في حياتك . المدير : يبدو أنك مريض يا سامر وبدأت تهذي وتهلوس , سوف أعفيك من العقوبة لأنك من الموظفين النشيطين ولك يومين لتتعافى وبعدها تعود لعملك بشكل طبيعي .
أصاب سامر مرض نفسي مما اضطره إلى اللجوء للأطباء النفسيين للعلاج , أخبرهم بما حدث معه في تلك الليلة المشؤومة .. لكنه لن ينساه أبدا .

بعد عام في الواحد والثلاثين من كانون الأول , عاد إلى بيته الجديد بعد أن باع بيته القديم .. كان يستقل سيارته في ساعة متأخرة من الليل والجو كانت عاصف , لمح نفس الفتاة التي أوصلها قبل عام تلوح له بيدها , عندها أوقف السيارة على قارعة الطريق وعاد هاربا إلى الشركة , ترجى مديره ليوفر له عمل ليلي لأنه لا يريد العودة إلى بيته .. وبذلك قضى بقية حياته يعمل ليل نهار وتلك الليلة لم تبعد عن تفكيره أبدا , أصبحت كالكابوس المرعب .. لم يدري ما تفسيير ما حدث معه في تلك الليلة من رأس السنة , لذا قضى حياته يعاني .



8 تعليقات :

admin يقول...

لديك خيال واسع تغبط عليه..

سعيد أني كنت هنا..

pretty yoyo يقول...

(little princess سابقا)
بسم الله الرحمن الرحيم...
قصة عظيمة.....يعجز لسانى عن الوصف يا أخى سر الارض
وأعجبتنى النهاية الغير متوقعة وأيضا الغامضة....
بل وانك ايضا بتلك النهاية منحت نفسك الفرصة لاصدار جزء ثانى تكمل به القصة فيما بعد....وبالمناسبة: أقترح ان تبدأ بكتابة قصص مكونة من جزاين فأكثر......يؤثر ذلك فى القارىء ويجعله متشوقا اكثر لمعرفة النهاية....وحبذا لو كانت نهاية الجزأين غامضة مثل تلك.....
تحياتى

غير معرف يقول...

مدهش قصة محبوكة بدقة تسلسل رائع للأحداث وتشويق وأثارة و رعب برافو عليك

amjad yaseen يقول...

انتظري الجزء الثاني اختي pretty yoyo

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا بانتظاره اخى سر الارض........
وأرجو الا تكون قد انزعجت من اقتراحى

amjad yaseen يقول...

لا يا اختي .. لا تفكري بهذه الطريقة أبدا , أنا لا انزعج أبدا .. بالعكس أسر جدا عندما أرى تعليق من احد الأخوة وأرحب دائما بأي استفسار او تعليق .

the Nightmare يقول...

وحش الوحوش...(سابقا)

السلام عليكم

رائع انت يا اخي سر الارض قصة متميزة حقا، انا والاخوة مهما مدحناك لا نوفيك حقك..

ويعطيك العافية.

غير معرف يقول...

مدهش انها اروع قصة

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021