27‏/2‏/2011

تباعد الزمن

في أحد أيام فصل الربيع , في مدينة روما الجميلة , في إحدى البنايات السكنية المطلة على البحر الأبيض المتوسط , في داخل إحدى الغرف تنام سالي التي ينعتها الجميع بالكسولة وعديمة الفائدة , تقضي طيلة اليوم أمام التلفاز أو الحاسوب أو النوم , لا تفعل شيء أبدا .. لذا قلما يهتم أهلها بها . 

في أحد الأيام , قررت الأم الخروج للتسوق , فطلبت من سالي أن تأتي معها , لكن سالي رفضت ذلك وفضلت أن تجلس أمام الحاسوب , نبهت عليها أمها بعدم الخروج وأن تقفل الباب بإحكام ولا تفتح لأحد .. أمضت سالي وقتها في الدردشة مع صديقتها وأخذ تبوح لها بكل ما يجول في خاطرها , كانت تحب الحلوى كثيرا , لذا أرادت أن تأكل شيء وهي تكلم صديقتها , كتبت لصديقتها .. انتظري قليلا , سأعود .. ذهبت إلى الثلاجة وبحثت عن حلوى لتأكلها , عثرت على علبة شيكولاته , حملتها وعادت أمام الحاسوب , كانت تأكل الشيكولاته بنهم شديد وكأنها لأول مرة تأكلها .. كتبت لصديقتها على سبيل المداعبة .. أتعلمين ما آكل الآن ؟ قالت صديقتها .. ماذا؟ كتبت سالي .. لدي علبة شيكولاته كاملة , هل تشاركيني الأكل ؟ صديقتها .. يا ليتني عندك يا سالي , فأنا أحب الحلوى كثيرا , لكني لا أكثر منها لأنها ستضر بأسناني .. بينما أخذتا بالحديث وسالي تزداد شراهة بأكل الحلوى حتى أنهت العلبة كاملة ! لكن فجأة بدأ ضرسها يؤلمها , وضعت يدها على خدها وأخذت تصرخ .. يا إلهي ! ضرسي يؤلمني , ماذا أفعل ؟ أخذ الألم يزداد ويزداد وهي تصرخ وتبكي لكن لا أحد يساعدها , سألت صديقتها .. أرجوك ساعديني , ضرسي يؤلمني , ماذا أفعل ؟ قالت صديقتها .. لقد نبهتك , ليس أمامك الآن إلا أن تذهبي لطبيب الأسنان .. من هنا بدأت القصة .

نظرت سالي من النافذة لتتأكد من أن العيادة مفتوحة , وكانت مفتوحة بالفعل , صعدت إلى غرفتها وجهزت نفسها وأخذت حقيبتها ونزلت وهي تبكي من الألم , كتبت لصديقتها .. أنا ذاهبة , وداعا .. خرجت وأقفلت الباب خلفها , لم تستعمل المصعد لأنها تخافه , ونزلت الدرج .. كان الدرج خالي وموحش لأن هناك عدة شقق في البناية غير مسكونة .. سارت على مهل حتى نزلت نصف الدرج , شعرت فجأة بنوع من الريبة والخوف لذا أسرعت في نزولها , تفاجئت بجسم مضيء غير واضح المعالم أمامها حتى اصطدمت به , لكن لم تشعر بالصدمة .. توقفت وحركت بصرها يمينا وشمالا لكن لم تجد شيئا , لم تتمالك نفسها وهربت حتى خرجت من البناية ووصلت الشارع , تنفست الصعداء واعتقدت أنا كانت تتوهم  من الخوف , فجأة شعرت بالألم في ضرسها من جديد , وكأنها فقدت الشعور به عند الدرج .

قطعت الشارع الذي يفصل بين البناية وعيادة الأسنان , دخلت العيادة , و طلبت من الممرضة حجز دور لها .. أعطتها ورقة لتملؤها , كتبت .. الإسم : سالي نلسون , العمر : 18 عاما , الساعة : 1.30 بعد الظهر .. سلمت الورقة وجلست تنتظر دورها .. بعد خمس دقائق شعرت بشيء غريب في جسمها , نوع من الطاقة يسري في جسدها ثم تبعه صداع شديد وبعدها لم تعد تشعر بشيء حولها .. جاء دورها , نادى الطبيب .. سالي نلسون تفضلي , إنه دورك .. كررها عدة مرات لكن لم تكن سالي في طابور الإنتظار , لذا دخل من كان بعدها .

عادت أمها من السوق , قرعت باب البيت ونادت على سالي , لكن سالي لم ترد , اعتقدت أنها نائمة .. استعملت نسختها من مفتاح البيت ودخلت , وجدت الحاسوب ما زال يعمل .. صعدت إلى غرفتها فلم تجدها هناك , صرخت .. يا إلهي ! عادت ونظرت إلى الحاسوب , قرأت آخر حديث لها مع صديقتها , خرجت إلى عيادة الأسنان وهي تتمتم .. يا لك من فتاة مزعجة , قلت لك لا تخرجي من البيت ! .. دخلت العيادة وأسرعت إلى الممرضة تسأل عن ابنها , فأخبرتها أنها كانت هنا مع المنتظرين , لكن يبدوا أنها خرجت .

اتصلت الأم بزوجها في العمل وأخبرته بالأمر حتى عاد إلى البيت كالمجنون , فتشا غرفتها والبيت والدرج والمصعد والجيران وعيادة الأسنان لكن لم يعلم أحد أين ذهبت .. اتصل الزوج بالشرطة وبلغ عن فقدان ابنته سالي , قامت الشرطة بحملة تفتيش واسعة عن الفتاة .. بعد شهر لم يتوصلوا إلا لنتيجة واحدة هي , أن آخر مكان كانت فيه الفتاة هو عيادة الأسنان .. سلم الوالدان أمرهما إلى الله وحزنا كثيرا على ابنتهما .

بعد شهرين استعادت سالي وعيها , عندما فتحت عيونها أول ما رأت , أطباء يسيرون وأناس يبكون وحركة كثيرة , أرادت الوقوف لكنها شعرت بثقل وتعب في جسمها , بعد أن تفحصت نفسها اكتشفت أنها أصبحت عجوز هرمة في الـ 60 من عمرها , أخذت تصرخ بتعب وصوت حشرجة , تجمع حولها عدة أطباء وهدأو من روعها وقالوا لها .. لا تقلقي يا سيدتي , سيبقى حيا .. لم تفهم ما يعنون بقولهم ! .. سمعت الأطباء يتحاورون .. كانت إصابته في العمود الفقري وذلك ألحق الضرر بالحبل الشوكي , سيعاني الفتى من شلل دائم ! نهضت من مكانها بصعوبة وسارت للأمام , توقفت عند مكتب ممرضة الإستقبال , سألتها .. لو سمحت , كم تاريخ اليوم ؟! .. قالت الموظفة .. إنه السابع من حزيران من عام 2057 يا سيدتي ! .. أخذت تتمتم .. يا إلهي ! ماذا يجري ؟!! ثم قالت لها .. أنا إسمي سالي نلسون , لقد جئت لمعالجة أسناني , لكن لا أدري ما حدث , كل شيء تغير ! ألا توضحي لي ما يجري يا سيدتي ؟! اعتقدت الموظفة أنها تعاني من آثار الصدمة لما حدث مع أقربائها , وقالت لها .. كل شيء على ما يرام , لا تقلقي .. لم تستوعب سالي ما يحدث , توجهت إلى باب الخروج , لكن لم ترى شيء في الخارج , كان كل شيء عبارة عن نور أبيض شديد , دخلت في ذلك النور حتى وجدت نفسها قد عادت إلى عيادة الأسنان وعادت إلى عمرها الطبيعي , وجدت هاتفها الجوال بجانبها , كان التاريخ متقدم كثيرا والساعة تشير إلى الـ 6 مساءا .. سارت في الرواق حتى وجدت الطبيب والممرضة يستعدان للمغادرة , صرخت عليهما .. التفتا إليها بذهول شديد , لم يصدقا أن هذه سالي التي اختفت منذ ثلاثة أشهر , اتصلت الممرضة بالشرطة بينما الطبيب أخذ يتفحصها ويسألها إن كانت تشعر بأي ألم .. حضرت الشرطة سريعا وأخذت سالي معها لتسلمها إلى أهلها .. وسط استغراب أبويها والشرطة وجميع الناس الذين شهدوا عودة سالي , في ذلك الوقت نشرت الصحف الخبر على صفحاتها الأولى .. عودة الفتاة سالي بعد اختفاء غامض لثلاثة أشهر .

بعد سنتين تزوجت سالي من شاب جميل , أنجبت منه 3 أطفال , بنتين وولد ... ربتهم وعلمتهم حتى أصبحوا بعمر الشباب , تزوج الشاب والفتيات وأصبحت سالي جدة بعمر الـ 60 .. في يوم الـ 7 من حزيران من عام 2057 , كان الجو صيفي جميل تنشط فيه الرحلات .. قرر ابنها أخذ طفله وزوجته في رحلة إلى الريف الجميل .. جهزوا الأمتعة وحاجيات الرحلة , بعد أن دخلت سالي ووعائلة ابنها السيارة , عادت ذكرياتها إلى 60 سنة للوراء وتذكرت ما رأته في المستشفى .. صرخت بابنها .. توقف لا تذهب .. ستحدث كارثة لكم ! أرجوك ! .. ألحت عليه كثيرا حتى غير رأيه بالذهاب إلى الجبل سيرا على الأقدام .. في ذلك اليوم انتشر خبر حادث مروري مروع راح ضحيته العشرات .. استمتعت العائلة بالرحلة كثيرا , أما سالي فكانت في غاية السرور لأنها أنقذت حياة عائلة ابنها من الموت وطفلهما من الشلل .

3 تعليقات :

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيــــم....

الاستاذ امجد "سرالارض" انطلق مجددا......

وقصة رائعة مجددا ايضا.....

واعجبنى كيف انها انقذت ابنها وزوجته وحفيدها ايضا فى النهاية رغم ان الجميع ظنوها بلا فائدة.....وفكرة القصة فعلا مبتكرة....

تقبل تحـياتى.....

amjad yaseen يقول...

أهلا pretty yoyo .. كنت مشغولا في الفترة الماضية , لدي قصتين أيضا تحت الكتابة .

غير معرف يقول...

نور ،،

قصة في منتهى الجمال ، جذبني غموضها بشدة .. رائعة بحق ،
تحياتي لخيالك الجميل

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021