10‏/5‏/2011

شتاء عام 1800 جزء 2

قارب صغير في وسط بحر كبير , سائر للجنوب بحثا عن اللاجئين , في عرض البحر حيث لم يعد يرى سوى الماء حوله , هبت عاصفة هوجاء وثار البحر بأمواج كبيرة , كالوحش الكاسر ابتلع الموج قاربه الخشبي الصغير وسحبه داخل البحر .. عندما هدأت العاصفة طفى الحطام و"ألآن" الفتى الصغير فقد الوعي , حمله البحر كريشة طافية .. ثم ألقى به على شاطيء خالي من السكان , كأن البحر يعرف وجهته , لقد وفر عليه عناء البحث عن اللاجئين .. على بعد نصف يوم من الشاطيء ظهرت مدينة كبيرة , فرح "ألآن" وانطلق إليها .. في شوارعها سار كالغريب , حتى أنه لا يتكلم لغتهم , احتار كيف يبحث عن اللاجئين .. سار كالتائه متخبطا هنا وهناك .

بد أسبوع من البحث يأس واعتقد أنه جاء للمكان الخطأ .. خرج من المدينة عائدا إلى الشاطيء ليصنع له قاربا جديدا .. بينما هو يجمع الأخشاب شاهد قافلة من العربات متجة إلى مكان ما , ترك ما في يده وتبعها حيث تذهب .. عند وصوله كانت فرحته كبيرة بعد أن علم أنها قافلة مساعدات لمخيم لاجئين .. دخل "ألآن" المخيم وعلم أنهم اللاجئين النمساويين يقيمون في جزيرة صقلية الإيطالية تحت رعاية الدولة . كم كانت فرحته حين ذاك .. كان يدخل إلى كل خيمة ويخبر أصحابها بضرورة العودة للنمسا وضرورة مقاومة نابليون وجنوده , لكن الجميع استخف به لكونه طفل .. لم يطق "ألآن" عناد الناس وإصرارهم على البقاء مشردين .. في يوم ما , صعد "ألآن" على شجرة عالية وأخذ يصرخ ويصرخ ويبكي .. أيها الناس , النمسا تنتظر أهلها , لا تسمحوا لنابليون بالعيش فيها بينما أنتم مشردين , إنه يتلذذ بخيراتها بينما أنتم جوعى , إنه يسدفيء في بيوتها بينما أنتم في العراء والبرد , أيعجبكم هذا الحال الذي أنتم فيه , الموت أشرف وأكثر كرامة من التشرد .. من أراد العزة فليتبعني إلى النمسا ومن أراد الذلة فليبقى يأكل من خيرات الأخرين .. طأطأ الناس رؤوسهم وشعروا بالمهانة والصغار من كلام الفتى "ألآن" وثارت فيهم الحمية والغيرة على الوطن .. أمضى "ألآن" إلى الشاطيء ليكمل صناعة المركب وهو مكسور الخاطر .

في المساء بينما كان "ألآن" يضع اللمسات الأخيرة على قاربه , شاهد ألآف المشاعل المضيئة تطل من بعيد قادمة إليه .. أيقن أنهم أهل النمسا , ابتسم ودبت السكينة في قلبه , انتظرهم حتى أقبلوا جميعهم ولم يبقى أحدا في المخيم , تقدم رجل من "ألآن" ووضع يده على رأسه وصاح بالناس .. هذا الفتى الشجاع  علمنا اليوم حب الوطن , نحن ذاهبون إلى النمسا وطننا ووطن أجدادنا , سلاحنا هو الإيمان وحب الوطن .. إما النصر أو الشهادة .. هتف الناس جميعا بصوت عال دوى في الأرجاء .. ساعدتهم الدولة الإيطالية بتمويلهم بالسفن والمراكب لتأمين عودتهم .

في يوم عزة وكرامة انطلقت السفن عبر البحر إلى النمسا تحمل كل أحبائها .. مضت أسابيع وشهور واللاجئين في البحر تدفعهم اللهفة ... وصلوا أخيرا إلى الشواطيء الشمالية لإيطاليا وأكملوا مسيرتهم سيرا على الأقدام عبر الجبال متجهين إلى مخيم اللاجئين على الحدود .. مع وصولهم انضم سكان المخيم إليهم وانطلقوا جميعا كالطوفان إلى النمسا ليغرقوا نابليون وجنوده .

وصل الخبر إلى نابليون , أصابه الجنون والتخبط وأصدر الأوامر بالمواجهة , استعد جنوده لمواجهة هذا الطوفان , لكن الإيمان والحق ينتصر دائما على الظلم والباطل .. لذا عاد الجميع لوطنهم , وأعدم نابليون أمام كل الشعب النمساوي , بينما "ألآن" بإيمانه وإصراره تحررت النمسا .. عاد إلى الجبال حيث عانى هو وجده من شتاء عام 1800 وانتهت المعاناة بوفاة جده .. كما وعد , أعاد جثمان جده إلى مدينته "كلاغنفورت" ليدفنه حيث ولد وبذلك يكون "ألآن" قد أوفى بعهوده التي قطعها .

بعد خمس وعشرين عاما .. بينما "ألآن" يتناول طعام الغداء مع زوجته وأطفاله , طرق بابه .. فتح "ألآن" الباب ليجد شاب يحمل ورقة وقلم .. ثم حدق ذلك الشاب فيه طويلا وقال .. أنت آلان بو ؟ , قال .. نعم , بماذا أخدمك ؟  , قال الشاب .. أريد أن أسألك , كيف تحررت النمسا من نابليون ؟ , ابتسم "ألآن" وقال .. بالإيمان ياعزيزي , بالإيمان !.

5 تعليقات :

كريمة سندي يقول...

ما أعظم الإيمان بالله والعزيمة الصادقة سعدت بمروري هنا

amjad yaseen يقول...

أهلا أختي كريمة .. وأنا أيضا مسرور لوجودك هنا .
تقبلي تحياتي

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم...

يجب ان اشكرك استاذ امجد لاكمال تلك القصة.....لا تدرى كم كنت متشوقة لمعرفة البقية...
واعجبتنى للغاية....انت تجيد بالفعل اصدار حبكات مميزة للنهاية...


لفتت انتباهى ايضا الكلمات الجديدة التى كتبتها على مدونتك.....انها رائعة.....


تحيــــــــــــاتى

amjad yaseen يقول...

أهلا بك أختي pretty yoyo .. أنا مسرور جدا لوجودك الدائم معي .
تقبلي تحياتي

بشرى رشدي يقول...

ما احلى الابداع في عالم الخيال.. حين يكون لكل حدث في القصة صداه من عالم الواقع.
احييك على ابداعك و ننتظر المزيد

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021