13‏/9‏/2011

الفوضى

أعداد كبيرة من الناس تقطع الشارع عند الإشارة الحمراء , ازدحام كبير .. عند الجهة الأخرى للشارع يتفرق الناس كل في طريقه كالضباب المنقشع يُظهر ما كان يخفيه بداخله .. ظهر طفل فجأة بعد أن خف ازدحام الناس وبقي متسمرا مكانه دون حراك , الناس في الشارع وكل من رآه سأله .. أين أمك يا صغير , هل ضعت عنها ؟ .. ينظر إليهم باستهتار ويقول في نفسه .. أنا لست صغير أيها الأغبياء .. سار بضع خطوات يسارا ثم توقف ثم سار بضع خطوات يمينا ثم توقف , نظر من حوله كالتائه .. حركة كبيرة وازعاج المركبات وصوت المصانع والطائرات , نظر للأعلى , الشمس تتوارى خلف الأدخنة والغبار الذي يملأ المدينة , شرطي المرور المسكين يذرف عرقه ويتعب كثيرا لينظم الحركة رغم ذلك لا تنفك حوادث المرور تحدث , الأبنية الجميلة تخفي بداخلها أناس ليسوا جميلون , والأشجار ينخر الدود في عروقها , والمطر الذي ينظف المدينة يحتاج للإنتظار أشهر طويلة وربما لا يأتي .. شخص فرح جدا لأنه حصل على مرتبه وشخص حزين كئيب ربما لأنه فقير أو ربما لأنه ترك زوجته , ونساء كثير يبحثن عن زوج ولا يعرفن كيف يخترنه .

أشار بيده بعدم المبالاة ثم اتجه للأمام في زقاق ضيق بين بنايتين , زقاق لا يأوي سوى الأطفال والمشردين .. على الأرض كانت هناك سبورة مكسرة لقطع صغيرة كان الأطفال يستخدمونها في ألعاب يعتقدون أنها جميلة , نظر عميقا في الزقاق ليجد عامل نظافة في الجهة المقابلة في شارع آخر ينظف الأرض من النفايات .. يا للمسكين , منذ أن خلقت على الدنيا وأنا أرى أمثاله يحاولون تنظيف المدينة , لكن المدينة لم تصبح نظيفة ولو ليوم واحد .. هناك المزيد من أعداء الجمال , وفي كل مرة تنجب امرأة طفلا سيزيد مقابله عامل نظافة أو شرطي مرور أو مصنع .. ثم يلمح طالب مدرسة صغير يسير في الشارع المقابل للزقاق , متعب ويحمل على ظهره أثقالا من الكتب .. يا للمسكين , مهما تعلم الناس لن تتخلص الأرض من الأغبياء !! ..ثم موظف مهندم يحمل حقيبة ويعلق على عنقه بطاقة تحمل اسمه واسم شركته .. في النهاية لن يصل إلى الإكتفاء الذاتي ولن يصل إلى الجمال الحقيقي وستضيع أيام الصبا والمرح خلف مكتب لعين .

كان هناك نور للشمس من كل جهة في الزقاق وحتى في الأعلى , لكن الشمس نفسها لا تظهر .. المهم أنه لن يحتاج لنور صناعي حتى يستطيع رسم ما يدور في رأسه , وحتى يرى الجدار ويرى الحقيقة في داخله ويرى العالم الأفضل في رسمته , حمل إحدى قطع السبورة ونظر إليها عن قرب , كانت تحمل بصمات الأطفال الذين يملكون أيادي قذرة ولكن قلوبهم نظيفة .. "في ما مضى لعبت هنا مع طفل اسمه أحمد , كانت ضحكاتنا تدوي في داخل ذلك الزقاق ونحن نرسم ألعابنا على الأرض ونلعب والحياة تمر خارج ذلك الزقاق , والمشهد هو ما أراه الآن لم يتغير .. في ذلك المساء القديم تركني أحمد وأنا عدت لأنتظر إشارة المرور حتى تتحول من أخضر إلى أحمر حتى يمر الناس على طريق الحياة .. وعندما أصبحت الإشارة حمراء أصبح لون ذقن شرطي المرور أبيض وأدركت أن الحياة تقدمت كثيرة وأني أضعت سنين طوبلة من عمري أنتظر الإشارة .. لكني ما زلت طفلا وأحمل عقل رجل , انتظاري علمني الحياة وراقبتها وهي تسير نحو الأسوء , والأسوء هو الأجمل في نظرنا , سأحمل السبورة وأرسم بها حياتي" .

جدارن الزقاق متشابهة وكل جدار يحمل في داخله حياة البؤساء , في السبورة التي يحملها رسم نافذة ورسم شمس مشرقة , ثم أحضر صندوق خشبي قديم وجلس عليه ليحدق جيدا في حياته وصورة الجمال على حائطه , لأن ذلك الحائط هو ملكه الآن , لا شرطة ولا حكومة تستطيع أن تأخذ الجدار منه لأن فيه صورة حياته .. لكن ذلك شرطي المرور المسكين الذي شاب ذقنه وحرم من المرح والسرور وهو يخدم الناس مقابل قطع معدنية وأوراق بئيسة يحتاج ليرسم لنفسه نافذة ويرى فيها حياته الصغيرة .. لكن أنا لي نافذة وسأبقى بجانبها دائما ولن أختلط في الفوضى التي يعيشها العالم , تعلمت الحكم ولن يسمع أحد الحكم ولكني سأخبرها لحياتي .. على الصندوق تمر السنين وشرطي مرور يأتي وآخر يذهب وعامل نظافة يأتي وآخر يذهب وطلاب وموظفون يسيرون , لا شيء جديد , نفس الصورة !! .. أيتها النافذة سأخبرك شيء وهذا الشيء هو حكمة تعلمتها من إشارة المرور .. "علمتني الحياة أن أعيش كما أريد" , عندها لن أتحسر على أيام الصبا ولن أفقد المرح , من خسر هو أحمد ولست أنا !! .

7 تعليقات :

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيـــــم....

انا الوحيدة التى تقرر متى ابدأ ومتى انتهى.....متى سأسير ومتى اتوقف.....واى طريق ساسلك حتى لو اضطررت للسباحة عكس التيار( فى احيان كثيرةجداااا).....لأنك ان ذهبت وراءالآخرين وحسب نهايتك سيئة....ومع ذلك تجد حياة الجميع متشابهة...و تسير بروتينية وملل لا حدود لهما..وهنا تماما يكون من الذكاء ان تعرف كيف تمارس الروتين وتضفى ما اسميه "لمستك الخاصة" فتستطيع ان تعيش حياتك كما تريد.....بل وتقنع الآخرين احيانا باسلوبك....


أستاذ امجد كل قصصك رائعة ولا شك فى هذا....ولكنى شعرت بأن هذه تحمل طابعا اكثر تميزا فى الفكرة والمعنى....والمشاعر تؤثر فيها بشكل كبير
تحياتى...........^_^

amjad yaseen يقول...

مرحبا أختي بريتي ..

فعلا الحياة تسير بروتين ممل جدا .. في مرة جلست مع جدتي وسألتها , ما هي الحياة التي يجب أن أعيشها , وما هو مستقبلي ؟ .. قالت لي أن تكبر لتنجح وتدخل الجامعة وتحصل على وظيفة وتتزوج وتنجب أطفال ثم تموت !! نظرت فوجدت أن كل الناس جميع الناس تفعل ذلك النظام الذي أخبرتني به جدتي .. لا شيء جديد في حياتهم , نفس المشاكل ونفس الحياة منذ أن جئت على الدنيا , عندما تكلمت معها أن ذلك النظام مغلوط لأنه يتبع لنظام الوراثة البئيس , ويجب أن نغيره وأني أرفض تلك الفكرة , قالت أني أملك عقل من العصر الحجري وأن كلامي غريبا جدا ... لا أدري إن كان يجدر بي أن أتبع التيار أم أقف في وجهه أم أمشي عكسه , ولكني حاليا أمشي عكسه وهذا ما نمى عندي قناعات جديدة وإيمان جديد ونظرة جديدة للحياة بعيدا كل البعد عن النظرة التي يرثها الناس من المهد إلى اللحد ... في الحقيقة أننا نعيش في فوضى كاملة رغم ما نراه من ترتيب زائف في حياتنا .. هناك كلام كثير ولكن أكتفي , أعذريني فأنا أحب الفلسفة كثيرا جدا ..

تحياتي

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم....

اولا : معك حق.....الفلسفة جيدة ومثيرة جدا كمادة فكرية (وليس مادة دراسية طبعا).....وعلى فكرة هناك كثيرون يفكرون بطريقة تشبهك ويكسرون الروتين....فاشخاص كثيرون لا يتزوجون ويسخرون حياتهم لتحقيق النجاح العلمى (على سبيل المثال)....وآخرون يفضلون عدم الزواج ايضا لمفهوم الاستقلالية...وهناك من يمضى حياته كلها فى جماعة معينة سياسية او دينية او غيرها ويعمل من اجل اهدافها..اسباب كثيرة ووسائل اكثر لكسر الروتين....

ثانيا : ان لم يكن الامر سيتعبك عندى سؤال.....
هل تختار صور قصصك اولا ثم تؤلف القصص على اساسها...ام العكـــــــــس؟؟؟

تحياتى

amjad yaseen يقول...

الفلسفة ليست جيدة بالقدر الكافي للإنسان , لأنها تجعل منك شخص غريب الأطوار جدا .. وتجعل كل شيء جميل في الحياة هو شيء سخيف جدا, طبعا الشيء الجميل عندي هو الطبيعة والحيوانات الأليفة... كما ذكرت حتى الزواج والنساء التي أصبحت قضية العالم أنا لا أعير ذلك الجانب إهتماما كبيرة بالرغم من أني أصبحت بعمر الـ20 , أي في اوج التفكير بذلك الأمر ولكن إكتشفت كم أن مفهوم الحب المعاصر هو مفهوم كاذب ومخادع ونساء العصر غير جذابات بالمرة وليست الكل طبعا ..

أما الإجابة على السؤال : قبل أن أكتب قصة ودائما أكتبها في الليل قبل ان أنام لأنها هي الفترة التي يكون فيها خيالي خصبا بالأفكار ... أضع في مخيلتي سيناريو مبسط وهدف مبسط للقصة وشخصيات مبسطة حتى أنتهي من الحبكةوانفراجها ... في مرات عديدة الصورة عند النظر إليها فورا تخلق في مخيلتي قصة متكاملة تظهر فجأة , ولا أخفيكي أني أبحث عن صورة ما وعليها أكتب قصتي ولكن ليس دائما , مثلا هذه القصة ما دفعني لكتابتها هي الصورة , في البداية رأيت الصورة وحملتها على جهازي ودققت النظر فيها بتمعن , غنها تحمل أفكار وسيناريو كامل لقصة .. أنت حدقي فيها وستظهر مئات القصص في عقلك لهذا الطفل أن بعض قصصي هي أحلام حلمت فيها أو ربما حدث مرة في يومي أو خطابي مع أحد ما ينمي فكرة لقصة لدي ....

في النهاية أشكرك أختي بريتي .. قريبا سأتوقف عن الكتابة لأني سأكمل دراستي , وسأعود بعد حين ..

تحياتي

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم....

سنشتاق لقصصك جدا استاذ امجد.....لاعليك فانا ايضا ساغيب عن مدونتك (وربما الانترنت) بسبب بدء دراستى ايضا...

تحـــياتى

Unknown يقول...

فعلا كلامك صحيح

الحياة اصبحت قاسية جدا جدا

وهدا موقعي لو احببت الانضمام لنا ولاسرة طاقمنا المتواضع

نحن نحب الرعب ونهواه بكل جوارحنا

http://www.mojrim.net/vb

ghost

غير معرف يقول...

واو ماشاء الله عليك فنان ومبدع

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021