8‏/3‏/2012

تسعة

مدينة طوكيو باللون الأسود والأبيض مليئة بالجثث , هل الحياة بهذه القسوة ليقتل الناس أنفسهم ؟ .. أفيقي يا (ناين) من نومك لقد انتهى الكابوس .. هي تعلم أنه لم ينته بعد , هي بحاجة لمن يريحها من ألمها وعذابها المتواصل .. لماذا تركت المدرسة ؟ .. لماذا لم تستطع تكوين صداقات ؟ .. لماذا لا تهنأ بنومها ؟ .. كان بود أمها أن تكون (ناين) أفضل الفتيات , وأن تكون بناءة في مجتمعها , لكن ما الذي جعلها تعود إلى نقطة الحضيض .. إنه أنتي يا أمي ! .. كفي عن إتهامي , لم أفعل لك شيء .. أفيقي وأصلحي نفسك ... (ناين) لم تبكي ؟ , سكوت ودموع صامتة .. دخلت لتستحم ولم تخرج إلا بعد تسع ساعات .. (ناين) ابتعدي عن الحافة أيتها المجنونة , لا تتهوري , اقتربي مني .. أمي , أنا هنا ليس لألقي بنفسي , لكن حتى أرى مدى قسوة أن يلقي الإنسان بنفسه إلى الأسفل .. وللأسف وجدته أقل قسوة من العيش معك .. أنت لا تصلحين أن تكوني أم  ! .

قضية بدون قضية ألقيت في مهب الريح .. بعد تسعة أشهر , طوكيو في 9 أيلول من عام 1999 .. الساعة التاسعة صباحا , الشرطة الدولية تحقق في مقتل أحد الأشخاص , لا أدلة , لا دماء , لا كدمات , لا جروح , لا شيء .. جثة سليمة جدا وموت مفاجيء .. هل انتحر ؟! .. المواطنون يخبرون عن طيف أسود شوهد عند وفاة الرجل .. الشرطة تفتش الأمكنة , لكن لا شيء .. ما الذي حل بالمدينة ؟ .. أصوات التمتمات تعلوا .. يا رجال توقفوا عن التساؤل .. إنه قدر الرجل , ليس هناك شيء غريب في موته .. هذا ما ظنه , لقد فتحت أبواب الجحيم على رؤوسهم ..

بعد ربع ساعة , تبليغ عن وفاة عشرة أشخاص بشكل مفاجيء في الشارع المقابل .. الشرطة تهرع وذهول وصمت .. لا أثر لجريمة , إبلاغ عن رؤية طيف أسود خلف نوافذ الأبنية .. الشرطة تتصل بمركز القيادة .. نحن أمام ظاهرة غريبة , المواطنون يدلون بنفس الشهادات ولا أثر لجرائم ولا أثر لمجرم ... قطع الإتصال فجأة مع رجال الشرطة لأنهم أصبحوا في عداد الأموات ... مع انتهاء الساعة التاسعة صباحا كانت الحصيلة 81 قتيلا في مدينة طوكيو .. عندها توقف القتل ..

الأم في إحدى الغرف ترتجف وتدرك ما فعلته يداها .. (ناين)  أسيرة الظلم والقهر والحرمان خلف النافذة .. تنتقم ممن آلموها , لكنها أخطأت في الإنتقام .. رسالة من مجهول تصل لمركز التحقيق تقول .. لم ينته الأمر بعد .. انظروا حولكم .. أنا الرقم تسعة .. تعميم , تعميم .. ابحثوا في السجلات عن شخص يحمل اسم (تسعة) , لا بد أن أحدهم يعبث معنا ..

بعد ساعة أعلن عن وجود قضية تحمل اسم (ناين) سجلت كإنتحار قبل تسع أشهر .. فتحت القضية من جديد وأجري التحقيق على أكمله .. والتحذير من الساعة التاسعة مساءا ستعم كارثة ... في النهاية طرق باب الأم المفجوعة وسحبت إلى التحقيق , بدون مقدمات ولم يتفوه المحققون بأي كلمة .. انهارت الأم أمامهم ببكاء شديد متوسلة أن يسامحها القدير .. فهي لم تقدر قيمة أن تكون لديها ابنه .. اعترفت بكل ما فعلته , (ناين) لم تنتحر بل أنا من دفعتها للأسفل .. 

الساعة 8.45 دقيقة مساءا .. نداء لمركز الشرطة , تم رؤية الطيف الأسود في احدى المباني ولا يفصلنا عنه سوى باب .. ها هم وجها لوجه مع طيف ابنتي الغاضب , لقد بدت هادئة ولم تهرب , أرادت أن تخبرهم بشيء ما وقد نطقت .. إلى مركز الشرطة استمعوا .. أ يـ ـن هـ ـم .. أ يـ ـن ذ هـ بـ ـوا ؟ .. أ نـ ـا أ سـ ـا مـ ـح أ مـ ـي !! .. لم الآن تبكي , لا يجدي البكاء نفعا .. ذلك الشيء الأسود تكلم , لديه مشاعر , لم يكن يوما صخرة لا تتحرك .. يكفي ما فعلت .. براءة الصغيرة رغم موتها لا تنسى المحبة , هذه أكبر عبرة يمكن أن يتعلما الإنسان في حياته ..

يجرون الأم الذليلة إلى المحكمة وخلفها نهر من الدموع .. كم طالت المحكمة .. يجب أن أتكلم .. اعدموني , فأنا أقسى أم , لا يوجد ما أستحقه لأعيش من أجله ... هكذا كان ختام المحكمة , السجن المؤبد , والناس منهم من يبكي ومنهم من يلوم الأم ويلوم قساوة قلبها .. الأطفال يجب أن يعيشوا رغم الحياة , يجب أن يجدوا الحب والسعادة والإبتسامة , لا شيء يمنعهم من الضحك ..

كم أكره ذلك التاريخ وكم كرهت رقم تسعة .. ستنقلب الأمور عليك وستذوقين الألم , المجرمون سيبقون مجرمون ومصيرهم إلى السجون , لا يمكن إفراغ حبنا للعذاب في أبنائنا .. لكن أين ستذهب روحها ؟ , سترقد في سلام الآن .. وخلف القضبان تلوم نفسها ومصيرها إلى الجنون .. 

النهاية

2 تعليقات :

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم استاذ امجد...

كالعادة قصتك اعجبتنى للغاية..وقد كان العنوان وحده كفيلا بجذبى لقرائتها..فقد تشوقت عندرؤيته..^_^
اعجبتنى رسالتك فى نهاية القصة...وقد صورت كيف يمكن ان تمتد الينا يد القسوة من اقرب الناس....غموض القصة وشخصية البطلة اكثر ما يميز قصتك..
(بصراحة...ومع انها قصة خيالية....استغربت ان هناك ام لديها قلب كهذا!! فهذه النقطة اكثر ما اثر بى فى القصة..)

شكرا اخى على قصتك ...واستمر دائما
تحياتى

amjad yaseen يقول...

السلام عليكم ..

كيفك أختي العزيزة بريتي ..

شكرا لانك أعجبتي بقصتي .. هناك مغزى وكل قصة لها مغزى , لا تستغربي كون أم قاسية , هناك منهم وليس بالضرورة ان تقتل ابنها .. هناك شيء اسمه القتل البطيء , القتل النفسي ... أنا لا أتحدث عن الام كمجمل بل عن العائلة ككل ..

تحياتي وسعيد بوجودك معي .. O_O

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021