25‏/3‏/2012

أين كنت ؟

".. يجب ألا تخشى ذهابك إلى الجحيم كلما طرق بابك , يجب أن تتخلص من كل هواجسك , يجب أن تخشى من الظلمة والجلوس بمفردك , يجب ألا تخاف من الحياة لأنك فرد فيها , واعلم أنه كلما نزل المطر سيكون الخير فيها , هي مجرد أوهام تزرعها في مخيلتك وتجعلك في هروب دائم , وتجعلك تخشى مواجهة الأشياء , لا يجدر بك أن تبكي أو تحزن , هناك خارج كوخك الصغير شمس دافئة وحياة تسير , لا تحبس نفسك في تفاهات وخوف على مدى الأيام .. تحرر !! .. هي مجرد خطوات وقرار صغير وستخرج من عزلتك , ادفع بنفسك للحياة حتى وإن كنت ثقيل عليها .. ففي يوم ما ستتحملك وستساعدك !! .." كنت هناك في زاوية غرفتي الخشبية المليئة بالعناكب , ومن أكثرها "الأرملة السوداء" .. أحب كل شيء كما هو وأراقب عمل الطبيعة , أغلقت كل النوافذ منذ زمن بعيد ولم أفتحها منذ ذلك الحين .. أنا مبرمج على العيش في الظلمة , إعتقدت دائما أنني ملقى في الفضاء ولم يخطر على بالي أنني أعيش على كوكب أخضر مليء بالحياة , لم أدر كيف يكون شكلي وإلى أي الكائنات أنتمي ! سوى شعور بأني موجود وسوى سكوت وسوى ظلام دامس .. لكني استطعت أن أحلم بتلك الرسالة مع أني لم أتعلم شيء طيلة وجودي في الكوخ , لم أتعلم سوى لغة الظلام والخوف ... كم أشكر ذاك الشخص الذي أرسلها لي وأرادني أن أقرأها ..

هكذا أقرر وبسرعة أن أكسر باب كوخي وألتقي بأشياء جديدة .. وأسماء جديدة , لا شيء يدعوا للقلق حقا !! يا للألم , يا للألم ! ما هذا الشيء الأبيض الناصع ؟ إنه يسمى "نور" , كان قراري متسرعا , لكن بدون التسرع لن أحقق شيء .. عدت لظلامي وعزلتي لأنني لم أحتمل الألم .. فقط ابتعدت عن الباب داخلا وأنظر قليلا قليلا لذلك النور الأبيض .. لم أستطع أن أتأقلم إلا بعد وقت طويل .. وعندما خرجت كان هناك ظلام حالك خارجا , إنه يسمى "الليل" .. كسرت كوخي وحطمته وبت أسير ببطئ فقد شعرت بالألم في كل مكان من جسمي , يا له من عالم جميل , هناك نباتات وحشرات وهواء وسماء واسعة وأرض منبسطة ... أين كنت طوال تلك السنين ؟ .

إنها غابة .. حقا هي غابة !! نعم أنا في غابة !! بكل تأكيد أنا في غابة !! يا للفرح .. وبت أغني بلغة جديدة وأتعلم من الكائنات وتعلمت المشي شيئا فشيئا .. وعلى سطح الماء رأيت صورتي , لقد كنت جميلا .. لكن للأسف , لم أعرف إلى أي الكائنات أنتمي ! وخلال رحلة بحثي عن ذاتي أدركت جمال الكوكب الذي أقيم عليه .. وكم أضعت على نفسي سنين من المرح , وأوبخ نفسي وأقول .. أين كنت ؟ .

كم كنت آمل أن أعثر على ذاتي وعلى الكائنات التي أنتمي إليها وتنتمي إلي .. عندها نمت تحت غصن كبير وجذع كبير ولأول مرة أشعر بشعور جميل , لقد حلمت .. نعم حلمت بأشياء جميلة .. هناك العديد من الكائنات الجميلة التي تشبهني .. العديد منهم , ومعهم عشت حياتي .. ولكني رأي الجميع مثلي ويشبهونني .. أنا أتمدد وأحرك رأسي عندما لمحت ذلك الشيء الأبيض الذي يسمى "نور" قد حط على عيني .. ما زلت أتألم , لذا لازمت جذع الشجرة وأنا أحضنه بقوة مغمض العينين .. لم أحضن شيء من قبل أبدا , لذا أحببت تلك الشجرة وقررت المبيت تحتها حتى أجد ذاتي .. ليل ونور آخر وليل ونور آخر وليل ونور آخر .. كائنات جديدة تتحرك استطعت العثور عليها لكنها لا تشبهني .. كم زرت تلك البركة لأتأكد من شكلي .. لكن لا يوجد شيء يشبهني , لقد يأست وحزنت وجلست تحت الجذع وبكيت لأول مرة .. لكني تذكرت الرسالة وتذكرت كلامها .. فما عدت أبكي ونمت وسلمت نفسي للنوم , ولم أحلم عندها شيء ..

أصوات جديدة وحركة قريبة مني .. نعم أصوات غير مألوفة لدي , ربما كائنات من نوع جديدة .. إنه الليل وفيه أرى كل شيء بوضوح , تتبعت الصوت واختبأت تحت الأعشاب ... أراقب بحذر وأستمع , فعلا صوت جديد كليا ولكن لم أرى أية كائنات .. اقتربت أكثر حتى باتت واضحة أمامي , كائنات تحمل ذلك الشيء الذي يسمى "نور" لقد رأيتها , إنها تقف على قدمين وتتحرك مثلي ... إنها هي , نعم , نعم , يا للفرحة ! , قفزت أمامهم فجأة وأخذوا يصرخون بصوت عالي .. وأطلقوا علي شيء مفزع , أصابوني في كتفي ونزفت شيء أحمر يدعى "دم" ... آخر ما سمعته منهم هذه الكلمات .. يا رجال , إنه إنسان .. لقد أصبناه , احملوه بسرعة .. سررت جدا .. نعم أنا أدعى "إنسان" .. أنا "إنسان" .. 

فتحت عيني شيئا فشيا لأجد ما كنت قد حلمت به .. هناك العديد من الكائنات تشبهني تقريبا تحوم حولي وأنا نائم على شيء عالي يدعى "سرير" .. ابتسموا جميعا , كانوا يتكلمون وأذكر ما قالوا .. إنه يصحوا , إنه بخير .. والجميع يحاول النظر إلي , تبسمت لهم وبذلت جهدي حتى ألمسهم , لكني لم أستطع .. حاولت جاهدا مد يدي , فقبل أن تسقط التقطها أحد الـ "الإنسان" , كائن يدعى "إنسان فتاة" أمسك بيدي بشدة وأنا أحاول أن أتشبث به أكثر وقد بكيت .. نعم بكيت , عندها جلبت لي تلك الـ "إنسان فتاة" شيء ومسحت دموعي .. 


لقد شفيت بسرعة وأصبحت في حضن "إنسان" يدعى "إمرأة" , تسألني دائما والجميع يسألني .. من أنت أيها الصبي , من أين أتيت , أين أمك ؟ لكنني لا أجيد التحدث لذا بقيت صامتا .. أمضيت وقتا طويل عندهم وأنا ألعب مع "إنسان فتاة" .. كان شيء رائع أن تجد ذاتك , وشيء رائع أن تعرف إلى من تنتمي ... تعلمت منهم أشياء كثيرة حتى التكلم .. لكنني لم أتعلم من يكون "أبي" أو من تكون "أمي" أبدا .. ولم أتعلم كيف وصلت لذلك الكوخ والحياة في الظلام .. تعلمت شيء يسمى "الظلم" وأخبروني أنها صفة سيئة ... تلك أول صفة سيئة لكائن "الإنسان" قد تعلمتها .. لكنني لم أحبذ يوما أن أجربها أبدا .. أبدا ..

لقد كبرت وأصبحت رجلا , و "إنسان فتاة" التي كنت ألعب معها في بداية تعرفي على ذاتي قد أحببتها جدا , الآن هي زوجتي ولن أعيش لحظة أخرى مثل تلك اللحظة التي عشتها معها .. أنا أكتب الآن لكم قصتي من على مكتب صغير وزوجتي بجانبي .. أحببت دائما أن أطلق عليها "إنسان فتاة" .. التشرد لم يكن شيء جميل , لكنه علمني أشياء جميلة وخضت مغامرة حقيقية لا أدري إن خاضها "إنسان" من قبلي ... وأنا بجانب زوجتي لم أعد أسأل نفسي "أين كنت؟" .

مذكرات إنسان مشرد .

8 تعليقات :

pretty yoyo يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم...

اخى واستاذى امجد :
قصة مدهشة بالفعل....اعجبتنى للغاية لأن فكرتها جديدة ومبتكرة...ونهايتها كذلك....استمتعت بالقراءة لآخر لحظة...^_^
حاول الا تتأخر علينا بقصصك الرائعة اخى....انها اكثر ما يرفه عنى عندما تخنقنى دراستى...

شكرا على القصة وتحياتى

amjad yaseen يقول...

السلام عليكم ..

مساء الخير أختي العزيزة pretty yoyo .. أتمنى أن تكوني بخير .. هذه القصة كتبتها بدون ورق بل بشكل مباشر خلال لحظة تفكير وشرود ذهني .. وأنا مسرور لانها اعجبتك ومدونتي تكون سعيدة بوجودك أختي , فأنت صديقة لها دائمة ..


لا تقلقي اختي بريتي , ساكتب حتى لو جفت كل الأقلام .. لا شيء يمنعني عن الكتابة , حتى لو لم يعلق احد وحتى لو نعتت قصصي بالتفاهة ... لا يهم فالخيال جميل وخلق الورق ليكتب عليه ووجودك يكفي جدا ..

بخصوص الدراسة بريتي دعيني أنصحك وربما أكون مخطيء جدا فهكذا أنظر للأمور ..

عندما وصلت إلى الصف الثامن .. كانت نظرتي للمدرسة أنها شيء بطيء جدا , شعرت بقيمة السنة وقيمة الثانية وقيمة كل رمشة عين .. كنت أتسائل دائما لما يجدر بنا أن نمر بكل تلك الصفوف وكل صف مكرر عن الصف الذي قبله .. لا شيء جديد أبدا يا بريتي ...

فقط يضعيعون عمري خلف مقاعد , يعطوننا أشياء كانت تدفعني للتساؤل .. وخاصة مادة الرياضيات وما تحتويه من جبر ومعادلات ومصفوفات .. الخ , طرحت على الأستاذ سؤال وقلت : أستاذ , هل هذه الأشياء التي آخذها ستفيدني في الحياة العامة ؟ أجابني بنعم !! لم أصدقه أبدا فالجميع يكذب دائما ..

أنا الآن عمري 21 عاما ولي 3 سنوات في الحياة العامة ولكن لم يسألني أحد .. لو سمحت ماذا تساوي قيمة (س) أو أكتب مصفوفة للشيء الفلاني أو أو .. لم أستفد من الرياضيات سوى الحساب وبعض المعادلات والباقي هو علم لا أدري ما أسميه ... ساحاول ان اعثر على تطبيق له .

ربما يستخدم داخل برامج الحاسوب المعقدة لانها تبنى على برامج معقدة .. كنت يا بريتي في مدرستي لا أعطي للشهادة قيمة ولا اهتم سوى لكلمة "يرفع للصف الذي يليه" هذا كل ما يهمني فقط .. هذا لم يكن غباء مني أبدا .. بل الجميع شهد لي بالذكاء واستغرب معظم المدرسين المهتمين بي بعلاماتي المتدنية جدا ... عندما وصلت لصف "عاشر" حصلت في مادة العلوم على علامة لا تصدق وهي "24" من مئة ... حصلت على توبيخ شديد من العديدين وخاصة من أستاذي .. ولأنه يهتم بي رفعني لـ "65" قلت له "شكرا" .. أكره ما كنت أجده في حياتي أن أغصب على التعلم .. يعني "التلقين" .. كنت أود أن أتعلم ذاتيا وبنفسي وليس لعلامات وليس لنجاح والمدرسة ليست مستوى ذكاء أبدا ..

فقط يا بريتي لا تفكري بخوف الغد ولا تتسائلي عن طبيعة ما يخيفك يعني الإمتحانات .. ادرسي وآمني أنك درست جيدا ولا تضعي في بالك العلامة .. بل تشوقي لإختبار معلوماتك , لا تجهدي نفسك ورفهي عن نفسك دائما حتى لو أضعتي يوم بدون دراسة لا ترغبين في الدراسة فيه ... حبك للشيء يجعلك تبدعين فيه , والإبداع يأتي من الإيمان .. وعندما تؤمني بشيء سيكون كالقلب قي الجسم وسيكون كهدف منير ترينه أمامك وستصلين إليه بإذن الله ..

أنا أكثر الأشياء التي أحبها وخبير فيها هي الحاسوب فضلا عن غيره والحمد لله ... حبي للحاسوب هو دفعني لأتخصص IT ومن مدة تبنيت مبدا ان أنظر للامور من الجانب الإيجابي لذا كل موادي الصعبة هي في نظري تافهة لان حب الحاسوب هو مبدا وإيمان وسابدع بإذن الله .. الوظيفة ليس هدف ابدا كل ما يهمني التعلم فقط .. المال آخر ما أنظر إليه وبصراحة أكرهه , قد تستغربين ولكنها حقيقة ... هدفي ان اصبح اكبر من مجرد إنسان يجلس خلف مكتب ..

آخر حكمة مني لك "لا تجعلي الحياة تمسكك بين يديها لانها ستظلمك , ولكن إمسكي انت الحياة بين يديك وستجعلينها تسعدك" افرضي رأيك على الحياة وليس العكس ... اعرف أن الإناث هن جانب مهمش وضعيف في المجتمع ومفروض عليهن اتباع أشياء اخترعها نظام الوراثة ... لو كنت المجتمع لوبخت الناس على أفعالهم المقلدة .. الدين شيء كبير والعادات الغير نافعة شيء مضر .

شكر لك وآسف على الإطالة ومن سعادتي أن تكون قصصي محط للترفيه عنك ..

تحياتي واعتني بصحتك ..

أمجد ياسين

غير معرف يقول...

Your stories are just amazing, sorry to not being able to say other thing 'cause i can't found words to describe it.
you know, we study math 'cause we don't know what we will want do in the future, you have to be good in all topics to be able to choose whith no problem...
of course this is my opinion, me who don't found anything interresting in the math, honestly, i think like you, i wanna learn not have good marks, notes had never show someone's intelligence.
And speeking about genetique, my favourite topic, it don't has anything to do on that i think, all is the will and a women can be strong if she want, just want...

--Aya--

غير معرف يقول...

آمــل آن تــسعدكـ هي أيـضآ ,, :)) ,,

أعــجبتني القصهـ يـآبن يـآسين كــثيرآ ,, فيهــآ حكمـ كـثيرهـ ,,

تـبسمت عنـدمـآ خـتمت النهآيهـ ,, !!

صحفي يقول...

راائع وبارك الله فيكم
لكن عندي سؤال
ـ هل يمكن أن نشترك في مدونتكم
شكرا والتقدير لكم

amjad yaseen يقول...

السلام عليكم ..

الإشتراك المباشر غير موجود
ولكن يمكنك الإشتراك في النشرة البريدية ويمكنه إيجاده على جنب المدونة وهو يحمل اسم "أدخل بريدك ليصلك كل جديد:"

عند الإشتراك ستصلك التحديثات على بريدك ..

تحياتي وشكرا جزيلا لك .

غير معرف يقول...

لا اعتقد ان هذه الفكره خطرت علي عقل بشر ولا حتى علي بال مخرج سنمائي .... اشكر خيالك الواسع المثير للاهتمام
اقراء القصة وكاني اشاهد فيلم سنمائي . لان القصة اتت من خيالك وعندما نقراء نشاهد ما كنت تتخيله
وكانك تدخلنا عقلك بشكل غير مباشر
القصة جميل ونهايتها اجمل وكاتبها اجمل شخص تعرفت عليه

وايضاً حوارك لـ pretty yoyo

اعجبني جداًاًاً.. الله يعطيك العــافيـة

ـهـيـثـمو

ahlam يقول...

😍😍😍😍😍 so beautiful thank you so much for this one

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021