16‏/2‏/2019

الدَبران

أنهيت هذه المرحلة من المهزلة التي تعدت , حان وقت الثورة .. إلى متى سأبق طفل .




كان هناك نور في الشارع , نور يطغى على المشهد وأحاط بذلك الصبي , غسله من خطايا الخرافات ثم انقشع .. كان يحدق من زاوية الشارع لأؤلئك الأولاد وكيف يلعبون , كان باستطاعته رؤية أطيافهم .. رؤية أسمائهم , أعمارهم ..


حمل نفسه ماشيا جهة البراري وهناك كان آخر أثر له .. ثم اختفى .




جبل الدّبران




خلتنني حيا هناك لكن لم أكن , خلتنني عرفت كل شيء لكن لم أكن .. أنا هربت من ذلك الإنصياع إلى الكائنات , هربت إلى الله .. إليه فقط , فلم أعد أطيق كل تلك الأبخرة المتصاعدة من المدن , إني أبحث عن شيء غير ساكن في خيال الجميع , بريق مميز وشيء نادر للغاية لم يخلق الله منه سوى قطعة واحدة .




في رائحة النهاية تجد المتعة وفي رائحة البداية تجد الأسى .. فكل شيء ماض نحو حتفه , أنت تعلم أن كل شيء انتهى منذ زمن بعيد , لكنك تكابر , تكابر أوجاع الحقيقة .. صدمة الصمت .. تتعلق بالقش قبل أن تغرق , تبحث عن تعريفات للتفاهة , تمارس العبث .. لقد كنت أقف هناك حين رأيت كل العبيد يصفقون لك وقد كنت مسرور , لأنك لم تعهد العبد يلبس لباسا فاخرا وأنيقا .. إنها منجزات الحضارة التي تكرر بؤس قديم بلا وعي .



لقد كنت بخير في ذلك الفراغ حتى ولدت .. ثم بدأت الأمور تنهار أمام عقلي الفريد , قلت لك من قبل أن الله لم يخلق منه سوى قطعة واحدة .. إنه يعمل بشكل فريد فانا أرى الحقول ليست حقولا ولا النعاج نعاجا .. إنني متيقن لو جعلتك ترى ما أراه ستلتهم نفسك من شدة الجنون .. لهذا لا أريد لك هذا المصاب , إني أخبرك نفحات هذا النكران للباطل الواهم وهذا الحق المتعثر , لا تصاحبني إن كنت تشعر بالسوء من التغيير .




لقد كان لبيتي نافذة واحدة تطل على أكثر المشاهد سوءا , شجرة مليئة بأعشاش الدبابير تضايقها نسمات الهواء , تقطر قيحا اسودا ليس عسلا كما يقال , إنه آفة تباع في الأسواق , وكل ما كنت أدونه في مذكراتي المزيد من النقاط على الحروف .. كل من سكن في الحي المجاور اختفى , اما انتحر أو خطفته الشياطين .. لا أدري السبب لكن ينتابني الشعور أنه أنا .




إن استمر الحال على هذا سيختفي كل من على هذا الكوكب , سيختفي من أمام عيني .. هل كنت في ذلك الحي تلاحق فتاة مثل ثور يلاحق بقرة , ما هذه التعاسة ؟ ما هذا اللامعنى .. تتوسم بالأشياء خيرا إني أقول لك لا تتوسم , تلك الألوان لم يصنعها الله فقط لتعلم , لو اتبعت نصيحتي سيختفي كل شيء أمام عينك .. إني يا عزيز أنتقل لمرحلة عجيبة , مرحلة تحدث داخل كوخ لا مكان له .. تلك المرحلة سيختفي الكون من أمام عيني , ساعود لما كنت عليه قبل ولادتي , مقدس ونقي , يسمع الله كلامي واسمع كلامه .. منذ أتيت هنا حجب صياح الشياطين كلام الله عني , إن صياحهم يشبه انهيار كوكب , لماذا أنا الذي أسمعهم ؟ لا أدري حقا .. قلت لك من قبل أنه لدي شيء مميز لم يخلق الله منه سوى قطعة واحدة .. ليتك تفهم .




هذا التجرد ليس تصوفا ولا رهبانية , إنني فقط معتاد على المزج , أحب المزج , أعشق المزج .. فانا يا عزيز بين الموت والحياة والعدم والوجود , بين الله والشيطان , بين نبي ودجال , في تلك النقطة يمكنني رؤية كل شيء على حقيقته .. لهذا تجليت , لهذا تراني في صمت مطبق , لا أتحرك , لا أبكي ولا أحزن , لا أجوع ولا أشبع , إنها مرحلة عجيبة من القداسة تجلت فيها لقى الله .. إسأل المزيد عن تلك المرحلة لأن الأجوبة التي تخصها نادرة جدا .. بالكاد يقدر اللسان على تجميعها .. 




هناك شيء أعلم به , شيء يجول في خاطرك .. تسأل إن كنت إنسان .. تخيل وستعتاد على التعريفات , إني لا أخضع لتعريف واحد ولا كيان واحد ولا مكان واحدة ولا كوكب واحد .. كل نجمة في السماء هي أنا , كل مطرة تنزل مهرولة هي أنا , كل هذا اللحن الصباحي هي أنا , كل عواصف الشتاء هي أنا , كل رحيل الأتقياء هو أنا , كل هذا البكاء هو انا .. أنا من تسببت بكل هذا الموت .. لا تدعني أسترسل بالوصف .. فلم أخبرك بعد عن جانبي الظلامي , ستصعق لو قلت لك أن كل تلك الزلازل التي حدثت هي انا , كل تلك الأعاصير هي أنا , كل ذلك الجراد هو انا .. تأتيني نفهات من الغضب فيغضب الكوكب معي وتغضب الأشياء معي .. ربما تفكر في جعلي سعيدا .. قلت لك لا بقاء لي بين تعريفاتك وتأثير حضورك , لا يربطني بك شيء ... أنت من تتبعني منذ الأزل لتعرف السر والسر أمامك جلي .. لكنك لا تقشع أنني الدبران .




أمجد ياسين




2 تعليقات :

Unknown يقول...

وااه كم مذهل اسلوب كتابتك .
لكن لم تبدوا كقصة كلماتك بل كنصوص أدبية
فهي تفتقر إلى الحبكة ..
وما أروع عباراتك تحمسني للوقوف على خاتمة مقالتك
الأدبية

غير معرف يقول...

انا سينيور
من موقع كابوس
دخلت مدونتك بالصدفه واعجبني اسلوبكك في الكتابه مشاء الله استمر وان شاء الله راح اكون من رواد مدونتك الدائمين لا تبخل علينا بنشرك ⚘☻

إرسال تعليق

اترك تعليقك على القصة ...

 
كافة الحقوق محفوظة للكاتب © 2021